٤٣٢ - حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلٌ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَكَانَ إِذَا كَلَّمَنِي ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ لَمْ أُجِبْهُ وَلَمْ أَلْتَفِتْ إِلَى كَلَامِهِ، فَإِذَا كَلَّمَنِي أَبُو إِسْحَاقَ، أَلَنْتُ لَهُ الْقَوْلَ وَالْكَلَامَ، قَالَ: " فَقَالَ لِي أَبُو إِسْحَاقَ، لَئِنْ أَجَبْتَنِي لَآتِيَنَّكَ فِي حَشَمِي وَمَوَالِيَّ، وَلَأَطَأَنَّ بِسَاطَكَ، وَلَا نُوهِنُ بِاسْمِكَ يَا أَحْمَدُ اتَّقِ اللَّهَ فِي نَفْسِكَ، يَا أَحْمَدُ اللَّهَ اللَّهَ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: «وَكَانَ لَا يَعْلَمُ وَلَا يَعْرِفُ، وَيَظُنُّ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُمْ»، فَيَقُولُ: يَا أَحْمَدُ إِنِّي عَلَيْكَ شَفِيقٌ، فَقُلْتُ: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا الْقُرْآنُ وَأَحَادِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَارُهُ، فَمَا وَضَحَ مِنْ حُجَّةٍ صِرْتُ إِلَيْهَا». قَالَ: فَيَتَكَلَّمُ هَذَا وَهَذَا. قَالَ: فَقَالَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ لَمَّا انْقَطَعَ وَانْقَطَعَ أَصْحَابُهُ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، لَئِنْ أَجَابَكَ لَهُوَ أَحَبُّ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ وَمِائَةِ أَلْفٍ عَدَدًا مِرَارًا كَثِيرَةً. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: " وَكَانَ فِيمَا احْتَجَجْتُ عَلَيْهِمْ يَوْمَئِذٍ، قُلْتُ لَهُمْ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: ٥٤]، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا لِي: أَلَيْسَ كُلُّ مَا دُونَ ⦗٢٥٤⦘ اللَّهِ مَخْلُوقٌ؟ فَقُلْتُ لَهُمْ: فَرَّقَ بَيْنَ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ، فَمَا دُونَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ، فَأَمَّا الْقُرْآنُ فَكَلَامُهُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ. " فَقَالُوا: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: ٤٠]، فَقُلْتُ لَهُمْ: " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل: ١]، فَأَمْرُهُ كَلَامُهُ وَاسْتِطَاعَتُهُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، فَلَا تَضْرِبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، فَقَدْ نُهِينَا عَنْ ذَلِكَ "،
٤٣٣ - قَالَ حَنْبَلٌ: وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: " وَاحْتَجَجْتُ عَلَيْهِمْ فَقُلْتُ: زَعَمْتُمْ أَنَّ الْأَخْبَارَ تَرُدُّونَهَا بِاخْتِلَافِ أَسَانِيدِهَا، وَمَا يَدْخُلُهَا مِنَ الْوَهْمِ وَالضَّعْفِ، فَهَذَا الْقُرْآنُ نَحْنُ وَأَنْتُمْ مُجْمِعُونَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ بَيْنَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ فِيهِ خِلَافٌ، وَهُوَ الْإِجْمَاعُ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ تَصْدِيقًا مِنْهُ لِقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرَ دَافِعٍ لِمَقَالَتِهِ وَلَا لِمَا حَكَى عَنْهُ فَقَالَ: {إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا}، فَذَمَّ إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ أَنْ عَبْدَ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ، فَهَذَا مُنْكَرٌ عِنْدَكُمْ ". فَقَالُوا: شِبْهٌ شِبْهٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. ⦗٢٥٥⦘ فَقُلْتُ: " أَلَيْسَ هَذَا الْقُرْآنُ؟ هَذَا مُنْكَرٌ عِنْدَكُمْ مَدْفُوعٌ، وَهَذِهِ قِصَّةُ مُوسَى، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمُوسَى فِي كِتَابِهِ حِكَايَةً عَنْ نَفْسِهِ {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى} [النساء: ١٦٤]، فَأَثْبَتَ اللَّهُ الْكَلَامَ لِمُوسَى كَرَامَةً مِنْهُ لِمُوسَى، ثُمَّ قَالَ: يَا مُوسَى {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعَبُدْنِي} [طه: ١٤]، فَتُنْكِرُونَ هَذَا، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْيَاءُ رَاجِعَةً تَرُدُّ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ، أَوْ يَكُونَ مَخْلُوقٌ يَدَّعِي الرُّبُوبِيَّةَ؟ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ هَذَا غَيْرُ اللَّهِ؟ وَقَالَ لَهُ {يَا مُوسَى لَا تَخَفْ} [النمل: ١٠]، {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} [طه: ١٢] " فَهَذَا كِتَابُ اللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لِمُوسَى: أَنَا رَبُّكُ مَخْلُوقٌ، وَمُوسَى كَانَ يَعْبُدُ مَخْلُوقًا، وَمَضَى إِلَى فِرْعَوْنَ بِرِسَالَةِ مَخْلُوقٍ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: فَأَمْسَكُوا، وَأَدَارُوا بَيْنَهُمْ كَلَامًا لَمْ أَفْهَمْهُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: «وَالْقَوْمُ يَدْفَعُونَ هَذَا وَيُنْكِرُونَهُ، مَا رَأَيْتُ أَحَدًا طَلَبَ الْكَلَامَ وَاشْتَهَاهُ إِلَّا أَخْرَجَهُ إِلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ، لَقَدْ تَكَلَّمُوا بِكَلَامٍ، وَاحْتَجُّوا بِشَيْءٍ مَا يَقْوى قَلْبِي وَلَا يَنْطِقُ لِسَانِي أَنْ أَحْكِيَهُ، وَالْقَوْمُ يَرْجِعُونَ إِلَى التَّعْطِيلِ فِي أَقَاوِيلِهِمْ، وَيُنْكِرُونَ الرُّؤْيَةَ وَالْآثَارَ كُلَّهَا، مَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ هَكَذَا حَتَّى سَمِعْتُ مَقَالَاتِهِمْ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: " قِيلَ لِي يَوْمَئِذٍ: كَانَ اللَّهُ وَلَا قُرْآنَ. فَقُلْتُ لَهُ: كَانَ اللَّهُ ⦗٢٥٦⦘ وَلَا عِلْمَ؟ فَأَمْسَكَ، وَلَوْ زَعَمَ غَيْرَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ كَانَ وَلَا عِلْمَ، لَكَفَرَ بِاللَّهِ " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: " وَقُلْتُ لَهُ يَعْنِي: لِابْنِ الْحَجَّامِ: يَا وَيْلَكَ، لَا يَعْلَمُ حَتَّى يَكُونَ فَعِلْمُهُ وَعِلْمُكَ وَاحِدٌ، كَفَرْتَ بِاللَّهِ عَالِمِ السِّرِّ وَأَخْفَى، عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، عَلَّامِ الْغُيُوبِ، وَيْلَكَ، يَكُونُ عِلْمُهُ مِثْلَ عِلْمِكَ، تَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: «فَهَذِهِ أَلَيْسَتْ مَقَالَتُهُ؟» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: " وَهَذَا هُوَ الْكُفْرُ بِاللَّهِ، مَا ظَنَنْتُ أَنَّ الْقَوْمَ هَكَذَا. لَقَدْ جَعَلَ بُرْغُوثٌ يَقُولُ يَوْمَئِذٍ: الْجِسْمُ وَكَذَا وَكَلَامٌ لَا أَفْهَمُهُ، فَقُلْتُ: لَا أَعْرِفُ وَلَا أَدْرِي مَا هَذَا، إِلَّا أَنَّنِي أَعْلَمُ أَنَّهُ أَحَدٌ صَمَدٌ، لَا شِبْهَ لَهُ وَلَا عِدْلَ، وَهُوَ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ، فَيَسْكُتُ عَنِّي " قَالَ: فَقَالَ لِي شُعَيْبٌ: قَالَ اللَّهُ {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: ٣]، أَفَلَيْسَ كُلُّ مَجْعُولٍ مَخْلُوقًا؟ قُلْتُ: " فَقَدْ قَالَ اللَّهُ {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا} [الأنبياء: ٥٨] أَفَخَلَقَهُمْ؟ {فَجَعَلَهُمْ ⦗٢٥٧⦘ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل: ٥]، أَفَخَلَقَهُمْ؟ أَفْكُلُّ مَجْعُولٍ مَخْلُوقٌ؟ كَيْفَ يَكُونُ مَخْلُوقًا وَقَدْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ الْجَعْلُ، قَالَ: فَأَمْسَكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute