للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلَوْ كَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنفال: ٧٥]، أَنَّهُ إِنَّمَا عَلِمَ ذَلِكَ بِالْمُشَاهَدَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَضْلٌ عَلَى عِلْمِ الْخَلَائِقِ، وَبَطَلَ فَضْلُ عِلْمِهِ بِعِلْمِ الْغَيْبِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ شَاهَدُ شَيْئًا وَعَايَنَهُ وَحَلَّهُ بِذَاتِهِ، فَقَدْ عَلِمَهُ، فَلَا يُقَالُ لِمَنْ عَلِمَ مَا شَاهَدَهُ، وَأَحْصَى مَا عَايَنَهُ: إِنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْمَخْلُوقِ أَنْ لَا يَعْلَمَ الشَّيْءَ حَتَّى يَرَاهُ بِعَيْنِهِ، وَيَسْمَعَهُ بِأُذُنِهِ، فَإِنْ غَابَ عَنْهُ جَهِلَهُ، إِلَّا أَنْ يَعْلَمَهُ غَيْرُهُ فَيَكُونُ مُعَلَّمًا لَا عَالِمًا، وَاللَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ، وَمَا فِي الْأَرْضِ، وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ بِعِلْمِهِ {أَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: ٢٨]، وَ {أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: ١٢]، وَأَمَّا قَوْلُهُ: {بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} [فصلت: ٥٤]، فَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: {وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: ١٢]، فَبَيَّنَ تِلْكَ الْإِحَاطَةَ: إِنَّمَا هِيَ بِالْعِلْمِ لَا بِالْمُشَاهَدَةِ بِذَاتِهِ، فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ لَيْسَ كَعِلْمِهِ عِلْمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ غَيْرُهُ، فَتَفَهَّمُوا الْآنَ رَحِمَكُمُ اللَّهُ كُفْرَ الْجَهْمِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَى الْجَهْمِيِّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْجَهْمِيَّ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ شَاهِدٌ لَنَا وَحَالٌّ بِذَاتِهِ، فَسَارَ فِي كُلِّ شَيْءٍ ذَرَأَهُ وَبَرَأَهُ، وَقَدْ أَكْذَبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ، وَقَالَ: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ}، فَوَصَفَ نَفْسَهُ تَعَالَى بِعِلْمِ الْغَيْبِ وَالْكِبْرِ وَالْعُلُوِّ، وَوَصَفَهُ الْجَهْمِيُّ بِضِدِّ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>