للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٠٦ - حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّد بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ نُعَيْمَ بْنَ حَمَّادٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ} مَا مَعْنَاهَا؟ فَقَالَ: مَعْنَاهَا أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ بِعِلْمِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرُ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} [المجادلة: ٧]؟، أَرَادَ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ فِي الْأَرْضِ، وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَلَوْ كَانَ اللَّهُ شَاهِدًا يَحْضُرُ مِنْهُمْ مَا عَمِلُوا، لَمْ يَكُنْ فِي عِلْمِهِ فَضْلٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْخَلَائِقِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ يَحْضُرُ أَمْرًا وَيَشْهَدُهُ إِلَّا عَلِمَهُ، فَلَوْ كَانَ اللَّهُ حَاضِرًا كَحُضُورِ الْخَلْقِ مِنَ الْخَلْقِ فِي أَفْعَالِهِمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي عِلْمِهِ فَضْلٌ عَلَى خَلْقِهِ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى عَلَى عَرْشِهِ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةُ خَلْقِهِ، ⦗١٤٧⦘ وَإِنَّكَ لَتَجِدُ فِي الصَّغِيرِ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَنَّهُ لَيَرَى الشَّيْءَ، وَلَيْسَ هُوَ فِيهِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حَائِلٌ، فَاللَّهُ تَعَالَى بِعَظَمَتِهِ، وَقُدْرَتِهِ عَلَى خَلْقِهِ أَعْظَمُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَأْخُذُ الرَّجُلُ الْقَدَحَ بِيَدِهِ وَفِيهِ الشَّرَابُ أَوِ الطَّعَامُ، فَيَنْظُرُ إِلَيْهِ النَّاظِرُ، فَيَعْلَمُ مَا فِي الْقَدَحِ، وَاللَّهُ عَلَى عَرْشِهِ، وَهُوَ مُحِيطٌ بِخَلْقِهِ بِعِلْمِهِ فِيهِمْ، وَرُؤْيَتِهِ إِيَّاهُمْ، وَقُدْرَتِهِ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا دَلَّ رَبُّنَا تَعَالَى عَلَى فَضْلِ عَظَمَتِهِ، وَقُدْرَتِهِ أَنَّهِ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ، وَهُوَ يَعْلَمُ الصَّغِيرَ التَّافِهَ الْحَقِيرَ الَّذِي هُوَ فِي أَسْفَلِ السَّافِلِينَ، أَيْ فَلَيْسَ عِلْمُهُ كَعِلْمِهِمْ؛ لِأَنَّ الْخَلْقَ لَا يَعْلَمُونَ إِلَّا مَا يُشَاهِدُونَ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: ١٢]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الملك: ١٣]، وَقَالَ: {أَلَا إِنَّهُمْ يُثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [هود: ٥]، فَرَدَّ ذَلِكَ كُلَّهُ إِلَى عِلْمِ الْغَيْبِ لَا إِلَى الْمُشَاهَدَةِ وَالْحُلُولِ فِي الصُّدُورِ حَتَّى يَكُونَ فِيهَا، وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: ١٤]؟ فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ بِالْخَبَرِ وَالْعِلْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>