٢٤٦ - حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الْقَافْلَائِي، قَالَ: ثنا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حِينَ خَلَقَ الْخَلْقَ كَتَبَ بِيَدِهِ عَلَى نَفْسِهِ: إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي " قَالَ الشَّيْخُ: فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَمَا ضَاهَاهَا، وَمَا جَاءَ فِي مَعْنَاهَا فِي كَمَالِ الدِّينِ، وَتَمَامِ السُّنَّةِ: الْإِيمَانُ بِهَا، وَالْقَبُولُ لَهَا، وَتَلَقِّيهَا بِتَرْكِ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهَا وَاتِّبَاعُ آثَارِ السَّلَفِ فِي رِوَايَتِهَا بِلَا كَيْفٍ وَلَا لِمَ، فَإِنَّ التَّنْقِيبَ وَالْبَحْثَ عَنْ ذَلِكَ يُوقِعُ الشَّكَّ، وَيُزِيلُ الْقَلْبَ عَنْ مُسْتَقَرِّ الْإِيقَانِ، وَيُزَحْزِحُهُ عَنْ طُمَأْنِينَةِ الْإِيمَانِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فُتِنُوا بِكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَالتَّنْقِيرِ، وَالْفَحْصِ عَنْ مَعَانِي أَحَادِيثَ، فَلَمْ يَزَالُوا بِذَلِكَ، وَعَلَى ذَلِكَ حَتَّى ⦗٣١٤⦘ أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْفِتَنَ وَالْمِحَنَ، فَلَجِجُوا فِي بِحَارِ الشَّكِّ، فَصَارَ بِهِمْ إِلَى رَدِّ السُّنَنِ، وَالتَّكْذِيبِ لِمَا جَاءَ فِي نَصِّ التَّنْزِيلِ، وَمَا صَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَةُ عَنِ الرَّسُولِ، وَقَالُوا: لَا نَقْبَلُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ نَصِفَ اللَّهَ إِلَّا بِمَا قَبِلَهُ الْمَعْقُولُ، وَقَالُوا: لَا نَقُولُ: إِنَّ لِلَّهِ يَدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْيَدَيْنِ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالْأَصَابِعِ، وَكَفٍّ وَسَاعِدَيْنِ، وَرَاحَةٍ، وَمَفَاصِلَ، فَفَرُّوا بِزَعْمِهِمْ مِنَ التَّشْبِيهِ، فَفِيهِ وَقَعُوا، وَإِلَيْهِ صَارُوا، وَكُلُّ مَا زَعَمُوا مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، وَتَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا؛ لِأَنَّ يَدَا اللَّهِ بِلَا كَيْفٍ، وَقَدْ أَكْذَبَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَكْذَبَهُمُ الرَّسُولُ، فَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصِحَابَتِهِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَأَئِمَّةِ الدِّينِ الَّذِينَ جَعَلَ اللَّهُ الْكَرِيمُ فِي ذِكْرِهِمْ أُنْسًا لِقُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، وَرَحْمَةَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْهُ مَا فِي بَعْضِهِ كِفَايَةٌ وَشِفَاءٌ، وَأَمَّا مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٥]، وَقَالَ: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: ٦٤]، وَقَالَ: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}، ⦗٣١٥⦘ ثُمَّ صَدَّقَ ذَلِكَ، وَأَبَانَ مَعْنَاهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَدُ اللَّهِ مَلْأَى سَحَّاءُ لَا يُغِيضُهَا شَيْءٌ»،
٢٤٧ - وَقَوْلُهُ: " إِنَّ اللَّهَ نَثَرَ ذُرِّيَّةَ آدَمَ مِنْ صُلْبِهِ، ثُمَّ أَخَذَهُمْ فِي يَدَيْهِ، فَقَالَ لِمَنْ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى: هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَقَالَ لِمَنْ فِي يَدِهِ الْأُخْرَى: هَؤُلَاءِ أَهْلُ النَّارِ "، وَمَا قَدْ ذَكَرْتُهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَمَا قَبْلَهُ كُلُّهَا تُوَافِقُ مَعْنَى الْكِتَابِ، وَالْكِتَابُ يُصَدِّقُهَا. وَوَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كُلَّمَا حَكَى اللَّهُ عَنْ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ عَدَاوَتِهِ شَيْئًا فَكَانَ كَذِبًا لَمْ يَدَعْ ذَلِكَ حَتَّى يُبَيِّنَ كَذِبَهُمْ فِيهِ، وَإِذَا حَكَى عَنْهُمْ شَيْئًا صَدَقُوا فِيهِ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ، فَيَكُونُ قَدْ مَدَحَهُمْ، وَلَمْ يُكَذِّبْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ صَدَقُوا وَلَمْ يُصَدِّقِ الْكَاذِبَ أَحْيَانًا، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [الحجر: ٦]، فَصَدَقُوا فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ، وَكَذَبُوا فِي آخِرِهِ، فَكَذَّبَهُمْ فِي كَذِبِهِمْ كَمَا قَالُوا، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ إِبْلِيسَ: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الحجر: ٣٩]، فَذَكَرَ اللَّهُ ذَلِكَ عَنْهُ، فَلَمْ يُكَذِّبْهُ إِذْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَلَمْ يُصَدِّقْهُ فَيَكُونُ تَصْدِيقُهُ إِيَّاهُ مِدْحَةً لَهُ ⦗٣١٦⦘ وَمِنْ ذَلِكَ، قَوْلُهُ: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف: ٢٨]، فَصَدَقُوا فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ، وَكَذَبُوا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْهَا آبَاءَهُمْ، فَلَمْ يَكُنْ يُصَدِّقُهُمُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ، فَيَكُونُ تَصْدِيقُهُ لَهُمْ مِدْحَةً لَهُمْ، وَكَذَّبَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ: {وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف: ٢٨] فَقَالَ: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعراف: ٢٨]، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْيَهُودِ: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة: ٦٤]، فَكَذَّبَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ: {مَغْلُولَةٌ} [المائدة: ٦٤]، وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ فِي ذِكْرِ الْيَدِ فَيَكُونُ مَادِحًا لَهُمْ، ثُمَّ أَوْضَحَ أَنَّ لَهُ يَدَيْنِ فَقَالَ: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} [المائدة: ٦٤]، مِنْ ذِكْرِ الْغِلِّ، ثُمَّ قَالَ: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: ٦٤]، فَقَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ: مَعْنَى الْيَدِ النِّعْمَةُ، وَلَوْ كَانَ كَمَا زَعَمُوا لَمْ يَقُلْ " {يَدَاهُ} [المائدة: ٦٤]، وَلَقَالَ: بَلْ مَبْسُوطَةٌ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَى الْيَدِ مَعْنَى النِّعْمَةِ لَمْ يَقُلْ بِيَدَيَّ، وَلَقَالَ: بِيَدِي أَوْ بِنِعْمَتِي؛ لِأَنَّ نِعَمَ اللَّهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى؛ لِأَنَّهُ قَالَ: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل: ١٨]، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ نَعْمَتَيْنِ، وَقَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ: إِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: ٦٧]، كَقَوْلِكَ: الدَّارُ فِي قَبْضِ فُلَانٍ، يَعْنِي: فِي مِلْكِهِ، وَقَدْ قَبَضْتَ الْمَالَ، وَلَيْسَ فِي كَفِّكِ شَيْءٌ، وَكَذَلِكَ تَقُولُ: الْأَرْضُ، وَالدَّارُ، وَالْغُلَامُ، وَالدَّابَّةُ فِي قَبْضَتِي ⦗٣١٧⦘ فَمَوَّهُوا بِذَلِكَ عَلَى الْجَاهِلِ، {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [المجادلة: ١٨]، فَالْقُرْآنُ مَرْدُودٌ إِلَى مَا جَعَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: ٢]، وَقَالَ: {وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: ١٠٣]، فَالْجَهْمِيُّ الْمَلْعُونُ إِنَّمَا أُتِيَ مِنْ جَهْلِهِ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ، وَمِنْ تَعَاشِيهِ عَنِ الْجَادَّةِ الْوَاضِحَةِ، وَطَلَبِهِ الْمُتَشَابِهَ، وَثَنِيَّاتِ الطُّرُقِ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل: ٢٥]، فَقَوْلُ الْجَهْمِيِّ: الدَّارُ فِي قَبْضَةِ فُلَانٍ، إِنَّمَا يُرِيدُ بِذَلِكَ الْمُغَالَطَةَ، وَإِدْخَالَ الشَّكِّ وَالرَّيْبِ عَلَى قَلْبِ الضُّعَفَاءِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَسَوَّى بِجَهْلِهِ بَيْنَ الْقَبْضِ وَالْقَبْضَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ: الدَّارُ فِي قَبْضَةِ فُلَانٍ، فَإِذَا أَرَدْتَ الْمِلْكَ، وَمَا أَشْبَهَهُ مِنَ الْقَبْضِ لَمْ تُدْخِلِ الْهَاءَ، فَإِنْ أَرَدْتَ قَبْضَةَ الْيَدِ، أَدْخَلْتَ الْهَاءَ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ} [الزمر: ٦٧]، وَلَوْ كَانَ كَقَوْلِ الْجَهْمِيِّ لَقَالَ: وَالْأَرْضُ جَمِيعًا فِي قَبْضَتِهِ، ثُمَّ بَيَّنَ فَقَالَ: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: ٦٧]، ⦗٣١٨⦘ وَكَذَلِكَ جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَطْوِي اللَّهُ السَّمَاوَاتِ كُلَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَهُزُّهَا، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ، أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ؟ " وَقَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ: لَا نَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ كَذِبَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute