للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٦٨٨ - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي حَرْمَلَةُ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: «لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ أَكْذَبَ فِي الدَّعْوَى , وَلَا أَشْهَدَ بِالزُّورِ مِنَ الرَّافِضَةِ» قَالَ الشَّيْخُ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَذَا النَّهْيُ وَالتَّحْذِيرُ عَنِ الْجَدَلِ فِي الْأَهْوَاءِ , وَالْمُمَارَاةِ لِأَهْلِ الْبِدَعِ قَدْ فَهِمْنَاهُ , وَنَرْجُو أَنْ تَكُونَ لَنَا فِيهِ عِظَةٌ وَمَنْفَعَةٌ , فَمَا نَصْنَعُ بِالْجَدَلِ وَالْحِجَاجِ فِيمَا يُعْرَضُ مِنْ مَسَائِلِ الْأَحْكَامِ فِي الْفِقْهِ , فَإِنَّا نَرَى الْفُقَهَاءَ وَأَهْلَ الْعِلْمِ يَتَنَاظَرُونَ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرًا فِي الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ , وَلَهُمْ بِذَلِكَ حِلَقٌ وَمَسَاجِدُ , فَإِنِّي أَقُولُ لَهُ: هَذَا لَسْتُ أَمْنَعُكَ مِنْهُ , وَلَكِنِّي أَذْكُرُ ⦗٥٤٦⦘ لَكَ الْأَصْلَ الَّذِي بَنَى الْمُسْلِمُونَ أَمْرَهُمْ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى , كَيْفَ أَسَّسُوهُ وَوَضَعُوهُ , فَمَنْ كَانَ ذَلِكَ الْأَصْلُ أَصْلُهُ , وَهُوَ قَصْدُهُ وَمُعَوَّلُهُ , فَالْحِجَاجُ وَالْمُنَاظَرَةُ لَهُ مُبَاحَةٌ , وَهُوَ مَأْجُورٌ , ثُمَّ أَنْتَ أَمِينُ اللَّهِ عَلَى نَفْسِكَ , فَهُوَ الْمَطَّلِعُ عَلَى سِرِّكَ , فَاعْلَمْ رَحِمَكَ اللَّهُ أَنَّ أَصْلَ الدِّينِ النَّصِيحَةُ , وَلَيْسَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ وُجُوهِ النَّصِيحَةِ أَفْقَرَ وَلَا أَحْوَجَ , وَلَا هِيَ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ أَفْرَضُ وَلَا أَلْزَمُ مِنَ النَّصِيحَةِ فِي تَعْلِيمِ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ قِوَامُ الدِّينِ وَبِهِ أَدَّيْتَ الْفَرَائِضَ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ. فَالَّذِي يَلْزَمُ الْمُسْلِمِينَ فِي مَجَالِسِهِمْ وَمُنَاظَرَاتِهِمْ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ وَالْأَحْكَامِ تَصْحِيحُ النِّيَّةِ بِالنَّصِيحَةِ , وَاسْتِعْمَالُ الْإِنْصَافِ وَالْعَدْلِ وَمُرَادِ الْحَقِّ الَّذِي بِهِ قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ , فَمِنَ النَّصِيحَةِ أَنْ تَكُونَ تُحِبُّ صَوَابَ مُنَاظِرِكَ , وَيَسُوؤُكَ خَطَأُهُ , كَمَا تُحِبُّ الصَّوَابَ مِنْ نَفْسِكَ , وَيَسُوؤُكَ الْخَطَأُ مِنْهَا , فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَكُنْ هَكَذَا كُنْتَ غَاشًّا لِأَخِيكَ , وَلِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ , وَكُنْتَ مُحِبًّا أَنْ يَخْطَأَ فِي دِينِ اللَّهِ وَأَنْ يَكْذِبَ عَلَيْهِ , وَلَا يُصِيبُ الْحَقَّ فِي الدِّينِ وَلَا يَصْدُقُ , فَإِذَا كَانَتْ نِيَّتُكَ أَنْ يَسُرَّكَ صَوَابُ مُنَاظِرِكَ وَيَسُوءَكَ خَطَأُهُ فَأَصَابَ وَأَخْطَأْتَ لَمْ يَسُؤْكَ الصَّوَابُ , وَلَمْ تَدْفَعْ مَا أَنْتَ تُحِبُّهُ بَلْ سَرَّكَ ذَلِكَ , وَتَتَلَقَّاهُ بِالْقَبُولِ وَالسُّرُورِ وَالشُّكْرِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حِينَ وَفَّقَ صَاحِبَكَ لِمَا كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَهُ مِنْهُ , فَإِنْ أَخْطَأَ سَاءَكَ ذَلِكَ , وَجَعَلْتَ هِمَّتَكَ التَّلَطُّفَ لِتَزِيلَهُ عَنْهُ , لِأَنَّكَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَلْزَمُكَ النَّصِيحَةُ لِلْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِ الْحَقِّ , فَإِنْ كَانَ عِنْدَكَ بَذَلْتَهُ وَأَحْبَبْتَ قَبُولَهُ , وَإِنْ كَانَ عِنْدَ غَيْرِكَ قَبِلْتَهُ , وَمَنْ دَلَّكَ عَلَيْهِ شَكَرْتَ لَهُ , فَإِذَا كَانَ هَذَا أَصْلُكَ , وَهَذِهِ دَعْوَاكَ , فَأَيْنَ تَذْهَبُ عَمَّا أَنْتَ لَهُ طَالِبٌ , وَعَلَى جَمْعِهِ حَرِيصٌ , وَلَكِنَّكَ وَاللَّهِ يَا أَخِي تَأْبَى الْحَقَّ , وَتُنْكِرُهُ إِذَا سَبَقَكَ مُنَاظِرُكَ إِلَيْهِ , وَتَحْتَالُ لِإِفْسَادِ صَوَابِهِ , وَتَصْوِيبِ خَطَئِكَ , وَتَغْتَالُهُ وَتُلْقِي عَلَيْهِ التَّغَالِيظَ وَتُظْهِرُ التَّشْنِيعَ , وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ فِي عَيْنِكَ وَعِنْدَ أَهْلِ مَجْلِسِكَ أَنَّهُ أَقَلُّ عِلْمًا مِنْكَ , فَذَاكَ الَّذِي تَجْحَدُ صَوَابَهُ , وَتُكَذِّبُ حَقَّهُ , وَلَعَلَّ الْأَنَفَةَ تَحْمِلُكَ إِذَا هُوَ احْتَجَّ عَلَيْكَ بِشَيْءٍ خَالَفَ قَوْلَكَ , فَقَالَ لَكَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قُلْتَ: لَمْ يَقُلْهُ رَسُولِ اللَّهِ , فَجَحَدْتَ ⦗٥٤٧⦘ الْحَقَّ الَّذِي تَعْلَمُهُ , وَرَدَدْتَ السُّنَّةَ , فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُكَ إِنْكَارَهُ أَدْخَلْتَ عَلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِلَّةً تُغَيِّرُ بِهَا مَعْنَاهُ , وَصَرَفْتَ الْحَدِيثَ إِلَى غَيْرِ وَجْهِهِ , فَإِرَادَتُكَ أَنْ يَخْطَأَ صَاحِبُكَ خَطَأٌ مِنْكَ , وَاغْتِمَامُكَ بِصَوَابِهِ غِشٌّ فِيكَ , وَسُوءُ نِيَّةٍ فِي الْمُسْلِمِينَ. فَاعْلَمْ يَا أَخِي أَنَّ مَنْ كَرِهَ الصَّوَابَ مِنْ غَيْرِهِ وَنَصَرَ الْخَطَأَ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يُؤْمَنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْلُبَهُ اللَّهُ مَا عَلَّمَهُ , وَيُنْسِيَهُ مَا ذَكَّرَهُ , بَلْ يُخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْلُبَهُ اللَّهُ إِيمَانَهُ , لِأَنَّ الْحَقَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ إِلَيْكَ افْتَرَضَ عَلَيْكَ طَاعَتَهُ , فَمَنْ سَمِعَ الْحَقَّ فَأَنْكَرَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ لَهُ فَهُوَ مِنَ الْمُتَكَبِّرِينَ عَلَى اللَّهِ , وَمَنْ نَصَرَ الْخَطَأَ فَهُوَ مِنْ حِزْبِ الشَّيْطَانِ , فَإِنْ قُلْتَ أَنْتَ الصَّوَابَ وَأَنْكَرَهُ خَصْمُكَ وَرَدَّهُ عَلَيْكَ كَانَ ذَلِكَ أَعْظَمَ لِأَنَفَتِكَ , وَأَشَدَّ لِغَيْظِكَ وَحَنْقِكَ وَتَشْنِيعِكَ وَإِذَاعَتِكَ , وَكُلُّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْعِلْمِ , وَلَا مُوَافِقٌ لِلْحَقِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>