للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فِيهِمَا مَوْضُوعٌ، قَدْ قُطِعَ بِهِمَا عُذْرُ كُلِّ مَعْتَلٍّ وَسُدَّ بِهِمَا فَاقَةُ كُلِّ مُخْتَلٍّ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيْحَيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ، أَمَّا بَعْدُ: وَفَّقَكُمُ اللَّهُ فَإِنِّي مُبَيِّنٌ لَكُمْ شَرَائِعَ الْإِيمَانِ الَّتِي أَكْمَلَ اللَّهُ بِهَا الِّدينَ وَسَمَّاكُمْ بِهَا الْمُؤْمِنِينَ وَجَعَلَكُمْ إِخْوَةً عَلَيْهَا مُتَعَاوِنِينَ وَمَيَّزَ الْمُؤْمِنِينَ بِهَا مِنَ الْمُبْتَدِعِينَ الْمُرْجِئَةِ الضَّالِّينَ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ وَمَعْرِفَةٌ مِنْ غَيْرِ حَرَكَةٍ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ كَذَّبَهُمْ فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ وَإِجْمَاعِ الْعُقَلَاءِ وَالْعُلَمَاءِ مِنْ عِبَادِهِ، فَتَدَبَّرُوا ذَلِكَ وَتَفَهَّمُوا مَا فِيهِ وَتَبَيَّنُوا عِلَلَهُ وَمَعَانِيَهُ فَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ أَنَّ الْإِيمَانَ إِنَّمَا هُوَ نِظَامُ اعْتِقَادَاتٍ صَحِيحَةٍ بِأَقْوَالٍ صَادِقَةْ وَأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ بِنِيَّاتٍ خَالِصَةٍ بِسُنَنٍ عَادِلَةٍ وَأَخْلَاقٍ فَاضِلَةٍ جَمَعَ اللَّهُ فِيهَا لِعِبَادِهِ مَصَالَحَ دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ وَمَرَاشِدَ عَاجِلِهِمْ وَآجِلِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ قَدْ جُبِلُوا فِي نُقْصَانِ عُقُولِهِمْ، وَحَجَرَهَا عَنِ الْإِحَاطَةِ بِحَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ وَالْوَفَاءِ بِالْإِدْرَاكِ لِكُلِّ مَا فِيهِ الْفَائِدَةُ وَالْمَصْلَحَةُ، وَمِنَ اسْتِيلَاءِ شَهَوَاتِهِمْ وَاحْتِكَامِ أَهْوَائِهِمْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمْ سُبُلُ مَرَاشِدِهِمْ وَاسْتَغْمَضَتْ عَلَيْهِمْ مَخَارِجُ هِدَايَاتِهِمْ، وَذَلِكَ مَوْضُوعٌ فِي جِبِلَّتِهِمْ، فَلَوْ وُكِّلَ كُلٌّ مِنْهُمْ إِلَى نَظَرِهِ وَفِكْرِهِ وَرَأْيِهِ وَتَدْبِيرِهِ وَاخْتِيَارِهِ فِيمَا يُؤْثِرُهُ مِنَ السِّيَرِ وَالْمَذَاهِبِ وَالشِّيَمِ وَالْخَلَائِقِ لَكَانَ وَاجِبًا لَا مَحَالَةَ أَنْ يَظْهَرَ عَجْزُهُ عَنْ كِفَايَةِ نَفْسِهِ وَحَاجَتِهَا مِنْ أَبْوَابِ الرَّشَادِ وَإِعْطَائِهَا حَظَّهَا مِنْ دَوَاعِي الصَّلَاحِ الَّذي فِيهِ رِضَا خَالِقِهَا وَنَجَاتِهَا مَنْ هَلَكَتِهَا فَلَمَّا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ مِنْهُمْ كَفَاهُمْ بِرَحْمَتِهِ وَرَأْفَتِهِ الْمَئُونَةَ، وَأَعْظَمَ بِلُطْفِهِ وَجُودِهِ الْمَعُونَةَ، فَأَمَدَّهُمْ فِي كُتُبِهِ وَعَلَى أَلْسُنِ رُسُلِهِ بِوظَائِفَ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بَيَّنَ لَهُمْ فِيهَا مَا يَأْتُونَ وَمَا يَذَرُونَ وَوَفَّقَهُمْ عَلَى مَا يَرْتَكِبُونَ وَيَجْتَنِبُونَ، لِيَكُونَ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ قَوِيَتْ خِبْرَتُهُ فِي النَّظَرِ وَالِاخْتِيَارِ أَوْ ضَعُفَتْ، وَكَمُلَتْ آلَتُهُ فِي الْمَعْرِفَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>