ثانيا: لو ترك لقمان يوصي ابنه يا بني أطع والديك لكان الأمر مختلفا. لأننا عادة في النصح والتوجيه ننظر للشخص الناصح هل له في هذا النصح نفع؟ فإن نصحك شخص ما فأنت تنظر هل في هذا النصح نفع يعود على الناصح؟ فإن كان فيه نفع يعود على الناصح فأنت تتريث وتفكر وتقول: قد يكون نصحني لأمر في نفسه، قد ينفعه، لو لم ينفعه لم ينصحني هذه النصيحة. لو ترك الله تعالى لقمان يوصي ابنه لكان ممكنا أن يظن الولد أن الوالد ينصحه بهذا لينتفع به، ولكن انتفت المنفعة هنا فالموصي هو الله وليست له فيه مصلحة.
وقال:(ووصينا) ، ولم يقل: وأوصينا
والله تعالى يقول (وصّى) بالتشديد إذا كان أمر الوصية شديداً ومهماً، لذلك يستعمل وصى في أمور الدين، وفي الأمور المعنوية: ("وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ١٣٢" البقرة) ("وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ١٣١" النساء)
أما (أوصى) فيستعملها الله تعالى في الأمور المادية: "يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ" النساء
لم ترد في القرآن أوصى في أمور الدين إلا في مكان واحد اقترنت بالأمور المادية وهو قول السيد المسيح:"وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً ٣١" مريم
في غير هذه الآية لم ترد أوصى في أمور الدين، أما في هذا الموضع الوحيد فقد اقترنت الصلاة بالأمور المادية وقد قالها السيد المسيح في المهد وهو غير مكلف أصلا.
قال وصّى وأسند الوصية إلى ضمير التعظيم (ووصينا) والله تعالى ينسب الأمور إلى نفسه في الأمور المهمة وأمور الخير