الآن نسأل من المقصود بهذا الإنسان الذي ذكره تعالى في مطلع السورة؟ هنا اختلف المفسرون فقسم قال أن المقصود هو آدم - عليه السلام - لم يكن شيئاً مذكوراً عندما خلقه الله تعالى من الطين إلى قبل نفخ الروح فيه كان شيئاً ولم يكن مذكورا، وقسم آخر يقول هو الإنسان بدليل قوله تعالى (لقد خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج) يشمل ذرية آدم - عليه السلام - وليس آدم لأن آدم من تراب فكل واحد من البشر كان شيئاً في الرحم لكنه لم يكن مذكورا. لكن الذي يترجح والله أعلم أن الإنسان في الآية يشمل آدم - عليه السلام - ويشمل ذريته أي جنس الإنسان عموماً. ويأتي سؤال هنا في الحقيقة ما المقصود بـ (لم يكن شيئاً مذكورا) ؟ هل المقصود أنه لم يكن شيئاً أصلاً كقوله تعالى في سورة مريم (ولقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا) في خطابه لزكريا - عليه السلام - أو قوله تعالى (أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا) أو المقصود أنه خلقه أي كان شيئاً لكنه لم يكن مذكورا؟ فما دلالة كلمة (مذكورا) هنا؟ وهل هي منفية أو مثبتة؟ مثل هذا التعبير في اللغة يحتمل معنيين وهذا من باب التوسع في المعنى، فهو يحتمل نفي القيد أصلاً (لم يكن شيئاً) لا مذكوراً ولا غيره كما في قوله تعالى (لا يسألون إلحافا ((يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف) بمعنى أنهم لا يسألون لا ملحفين ولا غير ملحفين فيتعففون ولا يسألون الناس. وكذلك يحتمل نفي القيد فقط بمعنى كان شيئاً لكنه لم يكن مذكورا كما في قوله تعالى (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين) لم ينفي خلق السموات والأرض لكنه نفى اللعب. وعليه فإن قوله تعالى (لم يكن شيئاً مذكورا) تحتمل أنه أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً أصلاً مذكوراً أو غير مذكور وتحتمل أن يكون شيئاً لكنه غير مذكور.