غير المغضوب عليهم ولا الضالين: لم كرر لا؟ وقال غير المغضوب عليهم والضالين؟ إذا حذفت (لا) يمكن أن يُفهم أن المباينة والابتعاد هو فقط للذين جمعوا الغضب والضلالة فقط، أما من لم يجمعها (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فلا يدخل في الاستثناء، فإذا قلنا مثلا: لا تشرب الحليب واللبن الرائب (أي لا تجمعهما) أما إذا قلنا: لا تشرب الحليب ولا تشرب اللبن الرائب كان النهي عن كليهما إن اجتمعا أو انفردا.
فلماذا قدم إذن المغضوب عليهم على الضالين؟ المغضوب عليهم: الذين عرفوا ربهم ثم انحرفوا عن الحق وهم اشد بعدا لان ليس من علم كمن جهل لذا بدأ بالمغضوب عليهم وفي الحديث الصحيح أن المغضوب عليهم هم اليهود وأما النصارى فهم الضالون. واليهود أسبق من النصارى ولذا بدأ بهم واقتضى التقديم.
وصفة المغضوب عليهم هي أول معصية ظهرت في الوجود وهي صفة إبليس عندما أُمر بالسجود لآدم عليه السلام وهو يعرف الحق ومع ذلك عصى الله تعالى وهي أول معصية ظهرت على الأرض أيضاً عندما قتل ابن آدم أخاه فهي إذن أول معصية في الملأ الأعلى وعلى الأرض (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه)(النساء آية ٩٣) ولذا بدأ بها.
أما جعل المغضوب عليهم بجانب المنعم عليهم فلأن المغضوب عليهم مناقض للمنعم عليهم والغضب مناقض للنعم.
خاتمة سورة الفاتحة هي مناسبة لكل ما ورد في السورة من أولها إلى آخرها فمن لم يحمد الله تعالى فهو مغضوب عليه وضال ومن لم يؤمن بيوم الدين وأن الله سبحانه وتعالى مالك يوم الدين وملكه ومن لم يخص الله تعالى بالعبادة والاستعانة ومن لم يهتد إلى الصراط المستقيم فهم جميعاً مغضوب عليهم وضالون.
ولقد تضمنت السورة الإيمان والعمل الصالح، الإيمان بالله (الحمد لله رب العالمين) واليوم الآخر (مالك يوم الدين) والملائكة والرسل والكتب (اهدنا الصراط المستقيم) لما تقتضيه من إرسال الرسل والكتب. وقد جمعت هذه السورة توحيد الربوبية (رب العالمين) وتوحيد الإلوهية (إياك نعبد وإياك نستعين) ولذا فهي حقاً أم الكتاب.