واستعمال صيغة المضارع مع فعل يغشى هو لأن الليل يغشى شيئاً فشيئاً بالتدريج وهو ليس كالنهار الذي يتجلى دفعة واحدة بمجرد طلوع الشمس. أي أن عملية الغشيان تمتد ولذا احتاج الفعل لصيغة المضارع، أما النهار فيتجلى دفعة واحدة لذا وجب استخدام صيغة الماضي مع الفعل تجلى. والآيات هنا مشابهة لآيات سورة الشمس في قوله تعالى:(والنهار إذا جلاها، والليل إذا يغشاها) فصيغة الأفعال متعلقة بالتجلي والغشيان.
- قوله (وما خلق الذكر والأنثى)
ما حكم (ما) في هذه الآية؟
هناك احتمالان لمعنى (ما) : الأول أن (ما) اسم موصول بمعنى الذي. ويعتقد الكثيرون أن (ما) تستخدم لغير العاقل فيقولون (ما) لغير العاقل و (من) للعاقل ولكن الحقيقة أن ما تستعمل لذات غير العاقل كما في قوله: (يأكل مما تأكلون منه ويشر مما تشربون) ولصفات العقلاء كما في قوله: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء)(ونفس وما سواها) ويؤتى بها في التفخيم والتعظيم في صفات العقلاء، ولذلك قال تعالى (وما خلق الذكر والأنثى) ويعني به ذاته العلية.
ويحتمل أن تكون مصدرية بمعنى (وخلق الذكر والأنثى) أي أنه سبحانه يقسم بخلق الذكر والأنثى وليس بالخالق، وعليه فإن (ما) تحتمل أمرين إما أن الله عز وجل يقسم بذاته أو أنه يقسم بفعله الذي هو خلق الذكر والأنثى. فلو أراد تعالى أن ينص على أحد المعنيين لجاء بذلك ولقال سبحانه (والذي خلق الذكر والأنثى) وتأتي ما بمعنى اسم موصول كما سبق أو قال سبحانه (وخلق الذكر والأنثى) لتعطي معنى القسم بالفعل الذي هو خلق الذكر والأنثى، ولكن الصورة التي جاءت عليها الآية تفيد التوسع في المعنى فهي تفيد المعنيين السابقين معاً وكلاهما صحيح.