والتوكيد بـ (اللام) في كلمة (للآخرة) فيه اختلاف مع آية سورة النجم (فلله الآخرة والأولى) فما الحكم البياني في هذا التوكيد في سورة الليل؟ التوكيد في سورة الليل جاء مناسباً لسياق الآيات، فسياق الآيات في سورة الليل جاء كله في الأموال وامتلاكها والتصرف فيها (فأما من أعطى) والمعطي لا بد أن يكون مالكاً لما يعطيه، (وأما من بخل واستغنى) والبخيل هو أيضاً مالك للمال لأنه لو لن يكن يملكه فبم يبخل؟ وكذلك الذي استغنى وهو من الغنى ثم ذكر المال (وما يغني عنه ماله إذا تردى) و (الذي يؤتي ماله يتزكى) فالسورة كلها في ذكر الأموال وتملكها والتصرف فيها فلذا ناسب التوكيد باللام هنا لأن الآخرة والأولى من الملك لله حصراً. أما في سورة النجم فسياق الآيات ليس في المال ولا في التملك أصلاً فلم يؤكد باللام.
في الآية جاءت كلمة (الأولى) مقابل (الآخرة) ولم ترد مثلاً كلمة (الدنيا) مقابل (الآخرة) ما الحكم في استخدام الأولى بدل الدنيا؟
الحقيقة أولاً وللعلم لم يرد في القرآن الكريم كله ولا مرة واحدة لفظ الدنيا مع الآخرة إنما ورد دائماً كلمتي الأولى والآخرة. ولهذا أسبابه البيانية:
الأولى أعم من الدنيا في الاستعمال القرآني وفي اللغة أيضاً. القرآن يستعمل الدنيا لما يحيا فيه الإنسان ويعيش كقوله تعالى:(ربنا آتنا في الدنيا حسنة) و (اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة) و (متاع الدنيا قليل) ، أما الأولى فتستعمل عامة لما يعلمه الإنسان وما لا يعلمه من أمر السموات والأرض فكلها الأولى. فالأولى إذن أوسع من الدنيا. ولما أراد الله تعالى أن يذكر سعة الملك في سورة الليل ناسب أن يأتي بكلمة الأولى التي هي أعم وأوسع.