للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

نظرة عامّة على هذه الآيات: هذه الآية هي بعد قوله تعالى (وهديناه النجدين) والنجدين كما أسلفنا هو الطريق المرتفع في الأرض ثم قال بعدها (فلا اقتحم العقبة) والعقبة هي طريق في الجبل وعِر أو الجبل الطويل بعرض الطريق (طويل صعب شديد) هذا في العقبة أما الإقتحام فهو الدخول والمجاوزة بشدة ومشقّة (والقحمة هي الشدة والمهلكة) . فلو لاحظنا اختيار العقبة مع اقتحم وبعد النجدين لوجدنا أن النجد وهو الطريق المرتفع يؤدي إلى العقبة من حيث سلوك الطريق، والعقبة تقع عادة بعد النِجاد أو في المرتفعات من الأرض إذن وضع العقبة بعد النجدين ومع كلمة اقتحم هو وضع طبيعي حداً وهو من الناحية البلاغية البيانية الفنية ذروة البلاغة من حيث الإختيار. ثم إن الله تعالى فسّر العقبة بما يتبعها من آيات (فك رقبة، إطعام في يوم ذي مسغبة) فكلمة اقتحم هي من أنسب الألفاظ لهذا الوصف لأن الإقتحام يتناسب مع العقبة والشّدة ولو قال اجتاز أو عبر مثلاً لما أعطى المعنى المطلوب واختيار كلمة اقتحم هو للدلالة على أن الأمر مخيف وشديد ومُهلك وليس سهلاً يسيراً وليس من العقبات التي تُجتاز بسهولة ويسر وإنما تحتاج إلى اقتحام وفيها شدة وصعوبة. فلو لاحظنا (فلا اقتحم العقبة) ومن قبلها (وهديناه النجدين) لوجدناها متناسبة ومرتبطة بقوله تعالى (لقد خلقنا الإنسان في كبد) وقد قلنا أن من معاني الكبد المشقة والقوة واقتحام العقبة فيه مشقة وتعب ويحتاج إلى قوة وفيها ارتباط بمعنيي الكِبِد (المشقة والقوة) . (لقد خلقنا الإنسان في كبد يتناسب مع ما سيأتي من آيات في تفصيل معنى العقبة من المشقات (فك رقبة، إطعام في يوم ذي مسغبة) .

<<  <   >  >>