** ومن هذا النوع من التقديم قوله تعالى (قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آَمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢٩) الملك) فقدم الفعل آمنا على الجار والمجرور (به) وأخّر توكلنا عن الجار والمجرور (عليه) وذلك لأن الإيمان لما لم يكن منحصراً في الإيمان بالله بل لا بد معه من رسله وملائكته وكتبه واليوم الأخر وغيره مما يتوقف صحة الإيمان عليه، بخلاف التوكل فإنه لا يجوز إلا على الله وحده لتفرده بالقدرة والعلم القديمين الباقيين قدّم الجار والمجرور فيه ليؤذن باختصاص التوكل من العبد على الله دون غيره لأن غيره لا يملك ضراً ولا نفعاً فيتوكل عليه.
** ومن ذلك أيضاً قوله تعالى (أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (٥٣) الشورى) لأن المعنى هو أن الله مختص بصيرورة الأمور إليه دون غيره. ونحو قوله تعالى (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (٢٦) الغاشية) . فإن الإياب لا يكون إلا إلى الله وهو نظير قوله تعالى (إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآَبِ (٣٦) الرعد) وقوله (وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٣٢) القيامة) فالمساق إلى الله وحده لا إلى ذات أخرى وهذا ليس من التقديم من أجل مراعاة المشاكلة لرؤوس الآي كما ذهب بعضهم بل هو لقصد الإختصاص نظير قوله تعالى (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا (٤) يونس) وقوله (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ (١٢٣) هود) وقوله (وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (٩٣) الأنبياء) وغير ذلك من الآيات.
** ومن هذا الباب قوله تعالى (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ (٤٧) فصلت) فعلم الساعة مختص بالله وحده لا يعلمه أحد غيره ونحوه قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ (٣٤) لقمان) فقدم الظرف الذي هو الخبر على المبتدأ وهو نظير الآية السابقة.