وكذلك في آية سورة السجدة، الكلام عن المجرمون الذين كانوا في الدنيا يسمعون عن القيامة وأحوالها ولا يبصرون لكن ما يسمعوه كان يدخل في مجال الشك والظنّ ولو تيقنوا لآمنوا أما في الآخرة فقد أبصروا ما كانوا يسمعون عنه لأنهم أصبحوا في مجال اليقين وهو ميدان البصر (عين اليقين) والآخرة ميدان الرؤية وليس ميدان السمع وكما يقال ليس الخبر كالمعاينة. فعندما رأوا في الآخرة ما كانوا يسمعونه ويشكون فيه تغير الحال ولذا اقتضى تقديم البصر على السمع.
قدم في الأولى الإنس وقدم في الثانية الجن لأن مضمون الآية هو التحدي بالإتيان بمثل القرآن، ولا شك أن مدار التحدي على لغة القرآن ونظمه وبلاغته وحسن بيانه وفصاحته.
والإنس في هذا المجال هم المقدمون، وهم أصحاب البلاغة وأعمدة الفصاحة وأساطين البيان، فإتيان ذلك من قبلهم أولى، ولذلك كان تقديمهم أولى ليناسب ما يتلاءم مع طبيعتهم.
أما الآية الثانية فإن الحديث فيها عن النفاذ من أقطار السموات والأرض، ولا شك أن هذا هو ميدان الجن لتنقلهم وسرعة حركتهم الطيفية وبلوغهم أن يتخذوا مقاعد في في السماء للاستماع، كما قال تعالى على لسانهم:" وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع " الجن ٩
فقدم الجن على الإنس لأن النفاذ مما يناسب خواصهم وماهية أجسامهم أكثر من الإنس