إن الذي أوردته من سورة النمل، هو كل ما ورد عن قصة موسى في السورة. وأما ما ذكرته من سورة القصص فهو جزء يسير من القصة، فقد وردت القصة مفصلة ابتداء من قبل أن يأتي موسى إلى الدنيا إلى ولادته، وإلقائه في اليم والتقاطه من آل فرعون، وإرضاعه ونشأته وقتله المصري وهربه من مصر إلى مدين، وزواجه وعودته بعد عشر سنين وإبلاغه بالرسالة من الله رب العالمين، وتأييده بالآيات، ودعوته فرعون إلى عبادة الله إلى غرق فرعون في اليم، وذلك من الآية الثانية إلى الآية الثالثة والأربعين.
فالقصة في سورة القصص إذن مفصلة مطولة، وفي سورة النمل موجزة مجملة. وهذا الأمر ظاهر في صياغة القصتين، واختيار التعبير لكل منهما.
هذا أمر، والأمر الثاني أن المقام في سورة النمل، مقامُ تكريم لموسى أوضح مما هو في القصص، ذلك أنه في سورة القصص، كان جو القصة مطبوعا بطابع الخوف الذي يسيطر على موسى عليه السلام، بل إن جو الخوف كان مقترنا بولادة موسى عليه السلام، فقد خافت أمه فرعونَ عليه، فقد قال تعالى:"وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي" القصص: ٧، ويستبد بها الخوف أكثر حتى يصفها رب العزة بقوله:"وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا" القصص:١٠
ثم ينتقل الخوف إلى موسى عليه السلام، ويساوره وذلك بعد قتله المصري:"فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ ١٨". فنصحه أحدُ الناصحين بالهرب من مصر لأنه مهدد بالقتل:"فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ ٢١"، وطلب من ربه أن ينجيه من بطش الظالمين:"قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٢١". فهرب إلى مدين وهناك اتصل برجل صالح فيها، وقص عليه القصص فطمأنه قائلا:" لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٢٥"