للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كون الخلاف لا يمنع القطعية ولا يرفعها يدل عليه ما يلي:

أولا: أن المعول عليه في إثبات الأحكام الشرعية ونفيها هو الدليل وما يفيده وليس موقف الناظرين في ذلك الدليل، إلا أن يدل دليل شرعي على ذلك كما في الإجماع، فقد ثبت بالأدلة القاطعة أن إجماع الأمة على أمر يجعل ذلك الأمر صوابا وينقطع فيه احتمال الخطأ، ومن ذلك إجماع جميع المجتهدين على قبول الدليل، أما الخلاف فليس كذلك إذ ليس الخلاف حجة١، فلا يرفع القطعية ولا يمنعها.

ثانيا: أن كثيرا من الأدلة والمسائل القطعية عند جمهور المسلمين قد خالف فيها مخالفون، كحجية الإجماع وقطعيته وحجية خبر الواحد وجواز قطعيته وحجية القياس، ومن ذلك ما ينقل من خلاف السمنية٢ في قطعية الخبر المتواتر، ولو كان الخلاف رافعا للقطعية لما وقع القطع من الأئمة بأن


١ وذكر الزركشي مواضع يكون الخلاف فيها حجة: منها أن الخلاف حجة في منع الخروج من الأقوال التي انحصر فيها، وأنه يسوغ الذهاب إلى أي قول من تلك الأقوال، وأنه حجة على أن جميع الأقوال صواب على القول بالتصويب. انظر البحر المحيط٤/٥٤٩.
والخلاف في كل هذا أمارة على الدليل لا أنه حجة بنفسه، أما الأول فإن انحصار الخلاف دليل على انحصار الحق والصواب فيما انحصر فيه، وذلك يمنع من الخروج من تلك الأقوال وقد تعين الصواب فيها، أما تسويغ الأخذ بأي من الأقوال وكونها صوابا كلها فدليله أدلة المصوبة في مسألة هل كل مجتهد مصيب. انظر المسألة في البحر المحيط ٦/٢٣٦-٢٤١.
٢ انظر الترجمة لهم والكلام على مذهبهم في قطعية المتواتر ص (٢٦٧) .

<<  <   >  >>