للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

" لما مات عبد الله بن أبي بن سلول دعى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلى عليه، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت إليه [حتى قمت في صدره]، [فأخذت بثوبه] فقلت: يارسول الله أتصلي على [عدو الله] ابن أبي وقد قال يوم كذا وكذا وكذا!؟ أعدد عليه قوله (١) [أليس - قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين فقال:] {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ .. } [التوبة: ٨٠]] فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أخر عني يا عمر! فلما أكثرت عليه قال: إني خيرت فاخترت، [قد قيل لي: ({اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ .. } [التوبة: ٨٠]) لو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت عليها، [قال: إنه منافق] (٢) قال: فصلى عليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم (٣) [وصلينا معه]، [ومشى صلى الله عليه وسلم معه فقام على قبره حتى فرغ منه]، ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: ٨٤]، [قال: (فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق ولا قام على قبره حتى قبضه الله)، قال -: فعجبت بعد من من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ] والله ورسوله أعلم.


(١) يشير بذلك إلى مثل قوله: (ولا تنفقوا على من عند رسول لى الله حتى ينفضوا) وقوله (ليخرجن الاعز منها الاذل).
(٢) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في " فتح الباري " (٨/ ٢٧٠):
" إنما جزم عمر أنه منافق جريا على ما يطلع من أحواله، وإنما لم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: وصلي بقوله: وصلي عليه إجراء له علي ظاهر حكم الاسلام، واصتصحابا لظاهر الحكم، ولما فيه من إكرام ولده الذي تحققت صلاحيته ومصلحة الأستئلاف لقومه ودفع المفسدة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أول الأمر يصبر على أذى المشركين ويعفو ويصفح، ثم أمر بقتال لمشركين، فاستمر صفحه وعفوه عمن يظهر الاسلام ولو كان باطنه عل خلاف ذلك لمصلحة الاستئلاف وعدم التنفير عنه، ولذلك قال: " لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه "، فلما حصل الفتح، ودخل المشركون في الاسلام، وقل أهل الكفر وذلوا، أمر بمجاهرة المنافقين وحملهم على حكم مر الحق، ولاسيما وقد كان ذلك قبل نزول النهي الصريح عن الصلاة على المنافقين وغير ذلك مما أمر فيه، بمجاهرتهم وبهذا التقرير يندفع الاشكال عما وقع في هذه القصة بحمد الله تعالى".
(٣) قلت: وإنما صلى عليه بمدما أدخل في حفرته وأخرج منها بأمره صلى الله عليه وسلم، وألبسه قميصه كما سيأتي في المسألة (٩٤).