للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

(لما كانت ليلتي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها عندي، انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فاضطجع، فلم يلبث إلا ريثما ظهر أنه قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا، وانتعل رويدا، وفتح الباب [رويدا]، فخرج، ثم أجافه رويدا، فجعلت درعي في رأسي واختمرت: وتقنعت إزاري (١)، ثم انطلقت على اثره حتى جاء البقيع، فقام فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات، ثم انحرف فانحرفت، وأسرع فأسرعت. فهرول فهرولت. فأحضر فأحضرت، فسبقته، فدخلت، فليس إلا أن اضجعت، فدخل فقال، مالك يا عائش (٢) حشيا (٣) رابية؟ قالت: قلت: لا شئ [يا رسول الله]، قال: لتخبرني أو ليخبرني اللطيف الخبير، قالت: قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، فأخبرته [الخبر]، قال: فأنت السواد الذي رأيت أمامي؟ قلت: نعم، فلهزني في صدري لهزة (٤) أوجعتي، ثم قال: أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله!؟ قالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله، [قال]: نعم قال فان جبريل أتاني حين رأيت فناداني - فأخفاه منك، فأجبته، فأخفيته منك، ولم يكن ليدخل عليك، وقد وضعت ثيابك وظننت أن قد رقدت، فكرهت أن أو فظك، وخشيت أن تستوحشي - فقان: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم،


= أبي شيبة في (المصنف) (٤/ ١٤٠)، واستدركه الهيثمي فأورده في (المجمع) وقال: (٣/ ٦٠): (رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح)، فوهم في الاستدراك لاخراج الترمذي له، ورجاله رجال الشيخين لكن ابن جريح مدلس وقد عنعنه.
فهي علة الحديث، ومع ذلك فقد ادعى ابن القيم (٤/ ٣٤٩) أنه (المحفوظ مع ما فيه).
كذا قال، بل هو منكر لما ذكرنا ولانه مخالف لرواية يزيد بن حميد وهو ثقة ثبت عن ابن أبي مليكة، ووجه المخالفة ظاهرة من قوله (ولو شهدتك ما زرتك) فانه صريح في أن سبب الزيارة إنما هو عدم شهودها وفاته، فلو شهدت ما زارت، بينما حديث ابن حميد صريح في أنها زارت لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بزيارة القبور، فحديثه هو المحفوظ خلاف ما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله تعالى.
وأما ما ذكره من تأول عائشة فهو محتمل، ولكن الاحتمال الاخر وهو أنها زارت بتوقيف منه صلى الله عليه وسلم أقوى بشهادة حديثها الاتي.
(١) بغير باء التعدية، بمعنى لبست إزاري فلهذا عدي بنفسه.
(٢) يجوز في (عائش) فتح إلشين وضمها، وهما وجهان جاريان في كل المرخمات.
(٣) بفتح المهملة وإسكان المعجمة معناه وقع عليك الحشا وهو الربو والتهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه من ارتفاع النفس وتواتره. وقول: (رابية) أي مرتفعة البطن.
(٤) اللهز: الضرب بجمع الكف في الصدر.