للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

الرابع: إقرار النبي صلى الله عليه وسلم المرأة التي رآها عند القبر في حديث أنس رضي الله عنه: (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة عند قبر وهي تبكي، فقال لها: اتقي الله واصبري .. ) رواه البخاري وغيره، وقد مضى بتمامه في المسألة (١٩) (ص ٢٢)، وترجم له (باب زيارة القبور)، قال الحافظ في (الفتح): (وموضع الدلالة منه أنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على المرأة قعودها عند القبر، وتقريره حجة).

وقال العيني في (العمدة) (٣/ ٧٦): (وفيه جواز زيارة القبور مطلقا، سواء كان الزائر رجلا أو امرأة: وسواء كان المزور مسلما أو كافرا، لعدم الفصل في ذلك).

وذكر نحوه الحافظ أيضا في آخر كلامه على الحديث فقال عقب قوله (لعدم الاستفصال في ذلك): (قال النووي: وبالجواز قطع الجمهور، وقال صاحب الحاوي: لا تجوز زيارة قبر الكافر وهو غلط (١). انتهى).

وما دل عليه الحديث من جواز زيارة المرأة هو المتبادر من الحديث، ولكن إنما يتم ذلك إذا كانت القصة لم تقع قبل النهي، وهذا هو الظاهر، إذا تذكرنا ما أسلفناه من بيان أن النهي كان في مكة، وأن القصة رواها أنس وهو مدني جاءت به أمه أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة، وأنس ابن عشر سنين، فتكون القصة مدنية، فثبت أنها بعد النهي، فتم الاستدلال بها على الجواز، وأما قول ابن القيم في (تهذيب السنن) (٤/ ٣٥٠):


= بسكوت الحافظ على هذا الاثر في (التلخيص) (ص ١٦٧)، وإن تابعه عليه الشوكاني كما هي عادته في (نيل الاوطار) (٤/ ٩٥)!! على أنه وقع عند الأول (على بن الحسين عن على)، فجعله من مسند علي رضي الله عنه وإنما هو من رواية ابنه الحسين رضي الله عنهما، كما عند الحاكم، أو من رواية جعفر بن محمد عن أبيه كما في رواية البيهقي المعلقة، فلعل ما في (التلخيص) وهو قوله (عن علي) محرف عن (عن أبيه).
وسقط هذا كله عند الصنعاني في (سبل السلام) (٢/ ١٥١) فعزاه للحاكم من حديث علي بن الحسين أن فاطمة ... ثم قال: (قلت: وهو حديث مرسل، فإن علي بن الحسين لم يدرك فاطمة بنت محمد)! والحديث إنما هو من حديث علي بن الحسين عن أبيه على ما سبق بيانه.
(١) قلت: والدليل عليه في المسألة الآتية.