الرَّحمَةِ لِلضُّعفَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَأهْلِ المُصِيبَةِ وَالميِّتِ كَذلِكَ، وَلِهذَا يَقُولُ: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)} [الأعراف: ٥٦]، وَيَقولُ {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (٦٩)} [العنكبوت: ٦٩] وَيَقُولُ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ» (١).
وَفِي هَذَا الحَدِيثِ: أنَّ إِحْدى بَنَاتِه رضي الله عنها كَانَ عِنْدهَا صَبيٌّ فِي المَوتِ يَعنِي: قَدْ ظَهَرتْ عَليْهِ أَمَارَاتُ المَوتِ؛ فَأَرْسلَتْ إِلَى أَبِيهَا عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ تَطلُبُ مِنهُ الحُضُورَ، حُضُورَ مَوتِ هَذَا الصَّبيَّ لِيعُزِّيَهم وَيَجبُرَ حَالَهُم بِحُضورِهِ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، فَأَرسَلَ إِليْهَا، وَقَالَ: «لِتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ، فَإِنَّ للهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمّى».
يَعنِي: أنْ تَصبِرَ إِذَا مَاتَ وَتَحتَسِبَ الأَجرَ عِنْدَ اللهِ، فَإنَّ للهِ مَا أَخذَ وَلهُ مَا أَعْطَى، كُلُّ شَيءٍ بِيدِهِ سبحانه وتعالى، وَالنَّاسُ مِلكُهُ، الخَلقُ كَلُّهُم مِلكُهُ، وَكلُّ هَذَا مِلكُهُ، إنَّا للهِ وَإنَّا إِليْهِ رَاجِعُونَ، الجَمِيعُ مِلكُ اللهِ سبحانه وتعالى يَتَصرَّفُ فِيهِ كَيفَ يَشَاءُ، كَمَا قَالَ جل وعلا فِي سُورَةِ المَائِدةِ فِي آخِرِهَا: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٢٠)} [المائدة: ١٢٠].
فَأَرْسَلَتْ إِليْهِ مَرَّةً أُخرَى تُقسِمُ عَليْهِ -تَحلِفُ عَليْهِ- أنْ يَحضُرَ، فَقَامَ وَحقَّقَ قَسَمَها عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، وَتَوجَّهَ إِليْهَا وَمعَهُ جَماعَةٌ منَ الصَّحَابةِ، مِنهُمْ: مُعَاذُ بنُ جَبلٍ، وَسَعدُ بنُ عُبَادَةَ، وَأُبيُّ بنُ كَعْبٍ، وَزَيدُ بنُ ثَابِتٍ، وَأُسَامَةُ بنُ زَيدٍ وَآخَرُونَ رضي الله عنهم.
(١) تقدم برقم (٧٣٧٧).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute