للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَلمَّا حَضَرَ وَقَدَّمُوا لَهُ الصَّبيَّ رَأَى نَفسَهُ تَقَعقَعُ لِلخُرُوجِ، وفِي رِوَايةٍ: «تَقَلْقَلُ» فِي أَمَارَاتِ الخُرُوجِ وَأَمارَاتِ المَوتِ؛ فَبَكَى عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ وَذَرَفتْ عَينَاُه لمَّا رَأَى مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ سَعدُ بنُ عُبَادَةَ: تَبكِي يَا رَسُولَ اللهِ؟! فَقَالَ: «إِنَّهَا رَحْمَةٌ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءُ».

فَفِي هَذَا فَوائِدُ:

مِنْها: حُسْنُ خُلقِهِ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ وَتَواضُعُهُ، كَونُهَا أَقْسمَتْ عَليْهِ وَقَامَ وحَقَّقَ قَسَمَها مِنْ أَجلِ جَبرِ حَالِهَا وَجَبرِ مُصِيبَتِها وَرَحمَةً لِحَالِها، فهَذَا يَدلُّ عَلَى التَّواضُعِ وحُسنِ الخُلُقِ، وَالرَّحمَةِ أيْضًا، كَونُهُ رَحِمَها أيْضًا، ثمَّ لمَّا حَضَرَ رَحِمَ أيْضًا طِفلَهَا وَبَكَى مِنْ أَجلِ ذَلِك، فهَذَا يَدلُّ عَلَى حُسْنِ خُلُقهِ صلى الله عليه وسلم وَطِيبِ شَمَائِلِهِ، وَرَحمَتهِ بِالضُّعَفاءِ وَرِقَّتهِ عَلَى أَوْلادِهِ وَرَحمتِهِ لهُمْ، وَحُسْنِ مُعاشَرتِهِ لهُمْ، وَإِجَابتِهِ طَلَباتِهِم الَّتِي لَا مَحْذورَ فِيهَا.

وَمِنَ الفَوائِدِ: جَوَازُ البُكَاءِ، وَأنَّهُ لَا حَرَجَ فِيهِ عَلَى الطِّفلِ وَعَلَى غَيرِهِ، وَأنَّ المَحظُورَ هُوَ النِّيَاحةُ، وَأمَّا دَمعُ العَينِ فَلَا حَرَجَ فِي ذَلِك؛ وَلِهذَا قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ فِي قِصَّةِ ابْنهِ إِبْراهِيمَ لمَّا تُوفِّيَ: «إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا، وَإِنَّا بِفرَاقِكَ يَا إَبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» (١).

وَفِيهِ: الدَّلَالةُ عَلَى أنَّهُ يَنبَغِي لِلوَالدِ أنْ يَكُونَ رَحِيْمًا عَطُوفًا عَلَى أَوْلَادِهِ، لَا يَتجَبَّرُ عَليْهِم وَلَا يَتكَبَّرُ عَنْ تَحقِيقِ طَلبَاتِهِم المُنَاسِبةِ الَّتِي لَا مَحْذورَ فِيهَا -وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ المَصَائبِ وَعِنْدَ المَرضِ، وَعِنْدَ الشِّدَّةِ وعِندَ الحَاجَةِ- يَلطُفُ بِهِمْ وَيَرحَمُهُم وَيَعطِفُ عَليْهِم، وَلوْ كَانَ عَظِيمًا وَلوْ كَانَ كَبِيرًا، وَلوْ كَانَ مَلِكًا.


(١) رواه البخاري (١٣٠٣)، ومسلم (٢٣١٥) (٦٢).

<<  <   >  >>