للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

مِنْ خَلقِهِ أَحَدًا.

وَتَقدَّمَ هُناكَ بَيَانُ اخْتِلافِهِم فِي المُرَادِ بِالقَدَمِ مُسْتوْفًى، وَأَجَابَ عِيَاضٌ بِأنَّ أَحدَ مَا قِيلَ فِي تَأْوِيلِ القَدمِ: أنَّهُم قَومٌ تَقدَّمَ فِي عِلمِ اللهِ أنَّهُ يَخلُقُهمْ، قَالَ: فَهذَا مُطَابقٌ لِلْإنشَاءِ، وَذِكرُ القَدمِ بَعدَ الإِنْشاءِ يُرجِّحُ أنْ يَكُونَا مُتَغايِرَينِ.

وَعنِ المُهلَّبِ قَالَ: فِي هذِهِ الزِّيَادةِ حُجَّة لِأهْلِ السُّنةِ فِي قَولِهِم: إنَّ للهِ أنْ يُعذِّبَ مَنْ لمْ يُكلِّفْهُ لِعِبادَتهِ فِي الدُّنْيَا؛ لِأنَّ كلَّ شَيءٍ مِلكُهُ، فلَوْ عَذَّبهُم لَكَانَ غَيرَ ظَالمٍ. انْتَهَى.

وَأهْلُ السُّنةِ إنَّمَا تَمسَّكُوا فِي ذلِكَ بِقَولِهِ تَعَالَى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [الأنبياء: ٢٣]، و {يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (١٨)} [الحج: ١٨] وَغَيرِ ذلِكَ، وهُوَ عِنْدَهُمْ مِنْ جِهةِ الجَوَازِ، وَأمَّا الوُقُوعُ فَفِيهِ نَظرٌ.

وَلَيسَ فِي الحَدِيثِ حجَّةٌ؛ لِلِاخْتِلافِ فِي لَفظِهِ، وَلِقبُولِهِ التَّأْوِيلَ. وقدْ قَالَ جَماعَةٌ منَ الأَئِمَّةِ: إنَّ هَذَا المَوضِعَ مَقْلوبٌ، وَجَزمَ ابنُ القَيِّمِ بأَنَّهُ غَلطٌ، وَاحْتجَّ بِأنَّ اللهَ تَعَالَى أَخْبرَ بِأنَّ جَهنَّمَ تَمْتلِئُ مِنْ إِبْليسَ وَأَتْباعِهِ.

وَكَذا أَنْكرَ الرِّوايَةَ شَيخُنَا البُلْقينِيُّ وَاحْتجَّ بِقَولهِ: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (٤٩)} [الكهف: ٤٩] ثمَّ قَالَ: وَحَملُهُ عَلَى أَحْجارٍ تُلقَى فِي النَّارِ أَقْربُ مِنْ حَملِهِ عَلَى ذِي رُوحِ يُعذَّبُ بِغَيرِ ذَنبٍ. انْتَهَى.

وَيُمكِنُ الْتِزامُ أنْ يَكُونُوا مِنْ ذَوِي الأَرْواحِ، وَلَكنْ لَا يُعذَّبُونَ كَمَا فِي الخَزَنةِ، وَيَحتَملُ أنْ يُرَادَ بِالإِنْشاءِ ابْتِداءُ إِدْخالِ الكُفَّارِ النَّارَ، وَعبَّرَ عَنِ ابْتِداءِ الإِدْخالِ بِالإِنْشاءِ، فهُوَ إِنْشاءُ الإِدْخَالِ، لَا الإِنْشاءُ بِمَعنَى ابْتِداءِ الخَلقِ؛ بِدَلِيلِ قَولِهِ: «فَيُلْقَوْنَ فِيهَا، وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ» وَأَعادَها ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثمَّ قَالَ: «حَتَّى

<<  <   >  >>