للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَضَعَ فِيهَا قَدَمَهُ، فَحِينَئِذٍ تَمْتَلِئُ». فَالَّذِي يَملَؤُها حَتَّى تَقُولَ: حَسْبِي هُوَ القَدمُ، كَمَا هُوَ صَرِيحُ الخَبرِ، وَتَأوِيلُ القَدمِ قدْ تَقدَّمَ، وَاللهُ أَعلَمُ.

وَقدْ أَيَّدَ ابنُ أَبِي جَمرَةَ حَملَهُ عَلَى غَيرِ ظَاهِرهِ بِقَولِهِ تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥)} [المطففين: ١٥]؛ إذْ لَو كَانَ عَلَى ظَاهِرهِ لَكَانَ أَهْلُ النَّارِ فِي نَعِيمِ المُشَاهَدةِ، كَمَا يَتَنعَّمُ أَهْلَ الجَنةِ بِرُؤيَةِ رَبِّهمْ؛ لِأنَّ مُشَاهدَةَ الحَقِّ لَا يَكُونُ مَعَها عَذَابٌ.

وقَالَ عَيَاضٌ: يَحتَمِلُ أنْ يَكُونَ مَعنَى قَولِهِ عِنْدَ ذِكرِ الجَنَّةِ: «فَإِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا» أنَّهُ يُعذِّبُ مَنْ يَشَاءُ غَيرَ ظَالِمٍ لَهُ، كَمَا قَالَ: «أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ»، وَيَحتَملُ أنْ يَكُونَ رَاجِعًا إِلَى تَخَاصُمِ أَهْلِ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَإنَّ الَّذِي جَعلَ لِكُلٍّ مِنْهُما عَدْل وَحِكمَة، وَبِاسْتِحقَاقِ كُلٍّ مِنهُم مِنْ غَيرِ أنْ يَظلِمَ أَحدًا.

وَقَالَ غَيرُهُ: يَحتَملُ أنْ يَكُونَ ذلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّلمِيحِ بِقَولِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (٣٠)} [الكهف: ٣٠]؛ فَعبَّرَ عَنْ تَركِ تَضْيِيعِ الأَجرِ بِتَركِ الظُّلمِ، وَالمُرَادُ: أنَّهُ يَدخُلُ مِنْ أَحْسَنِ الجنَّةِ الَّتِي وَعدَ المُتَّقِينَ بِرَحمَتهِ، وَقدْ قَالَ لِلجَنَّةِ: «أَنْتِ رَحْمَتِي»، وَقَالَ: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)} [الأعراف: ٥٦]، وَبِهذَا تَظهَرُ مُنَاسَبةُ الحَدِيثِ لِلتَّرجَمةِ وَالعِلمِ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى. وَفِي الحَديثِ دَلَالةٌ عَلَى اتِّسَاعِ الجَنةِ وَالنَّارِ». [انتهى كلامه].

قَالَ ابْنُ بَازٍ رحمه الله: وَالمَقْصُودُ مِنْ هَذَا كلِّهِ: أنَّ اللَّفْظَ هَذَا لَا شَكَّ أنَّهُ وَهْمٌ، وَانْقلَبَ عَلَى الرَّاوِي بِلَا شَكٍّ، وَتَدلُّ عَليْهِ الرِّوَايَةُ الأُخْرَى المَحْفُوظَةُ: «فَأَمَّا الجَنَّةُ -فِيهَا فَضْلٌ- فَيُنْشِئُ اللهُ لَهَا أَقْوَامًا»، وهَذَا هُوَ المُطَابقُ لِرَحمَتهِ وَفَضلِهِ

<<  <   >  >>