وَقَوْلُهُ: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: ٨٥] تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الرُّوحَ قَدِيمَةٌ، زَعْمًا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ هُنَا الْأَمْرُ الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: ٥٤]. وَهُوَ فَاسِدٌ؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ لمعانٍ يتَبيُّنُ الْمُرَادُ بِكُلٍّ مِنْهَا مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ: {وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ} مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَمْرِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: ٥٤] وَأَنَّهُ بِمَعْنَى الطَّلَبِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ، وأمَّا الْأَمرُ فِي حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ هَذَا؛ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَأْمُورُ، كَمَا يُقَالُ: الْخَلْقُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَخْلُوقُ، وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ، فَفِي تَفْسِيرِ السُّديّ عَنْ أبي مَالكٍ عَنِ ابن عَبَّاسٍ وَعَنْ غَيْرِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: ٨٥] يَقُولُ: هُوَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، لَيْسَ هُوَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالرُّوحِ الْمَسْؤولِ عَنْهَا: هَلْ هِيَ الرُّوحُ الَّتِي تَقُومُ بِهَا الْحَيَاةُ أَوِ الرُّوحُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} [النبأ: ٣٨]، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} [القدر: ٤]؟
وَتَمَسَّكَ مَنْ قَالَ بِالثَّانِي بِأَنَّ السُّؤَالَ إِنَّمَا يَقَعُ فِي الْعَادَةِ عَمَّا لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِالْوَحْيِ، وَالرُّوحُ الَّتِي بِهَا الْحَيَاةُ قَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِيهَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا بِخِلَافِ الرُّوحِ الْمَذْكُورِ؛ فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ، بَلْ هِيَ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ، بِخِلَافِ الْأُولَى، وَقَدْ أَطْلَقَ اللَّهُ لَفْظَ «الرُّوحِ» عَلَى الْوَحْيِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى: ٥٢]، وَفِي قَوْلِهِ: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} [غافر: ١٥]، وَعَلَى الْقُوَّةِ وَالثَّبَاتِ وَالنَّصْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: ٢٢]، وَعَلَى جِبْرِيلَ فِي عِدَّةِ آيَاتٍ، وَعَلَى عِيسَى ابن مَرْيَمَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute