للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والشَّاهِدُ قَولُ عَليٍّ رضي الله عنه: «إنما أَنفُسُنَا بِيدِ اللهِ، إن شَاءَ رَدَّهَا وإن شَاءَ أَمسَكَهَا». فهي الإِرَادَةُ الكَونِيَّةُ، كَأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَرِهَ منه هَذَا عليه الصلاة والسلام؛ لأنَّه أَتَاهمَا وقال: «ألا تُصَلِّيَانِ»، فَحَثَّهُما على أن يَقُومَا يَتَهجَّدا بِاللَّيلِ، فقال عَليٌّ رضي الله عنه ما قَالَ: «إنما أَنفُسُنَا بِيدِ اللهِ» يَعْنِي: أَرْوَاحُنَا، إن شَاءَ رَدَّهَا وإن شَاءَ أَمسَكَهَا. فَانصَرَفَ ولم يُرجِعْ إليه شَيْئًا؛ فَسمِعَهُ يَقُولُ وهو يَضرِبُ فَخِذَهُ: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (٥٤)} [الكهف: ٥٤].

فهو جَادَلَ بِالقَدَرِ، ولو قَالَ كَلِمَةً أُخرَى غَيرَ ذَلكَ لكان أَنسَبَ؛ لأنَّ القَدَرَ ما يُحتَجُّ به في التَّخلُّفِ عن المحَابِّ الشَّرعِيَّةِ، الإِنسَانُ يُعَالِجُ، وإِنما يُحتَجُّ بِالقَدَرِ بعد المُصِيبَةِ: «إنَّا للهِ وإنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ».

أمَّا أنْ يُحتَجَّ بِالقَدَرِ على تَخَلُّفِهِ عنِ العَملِ الصَّالحِ وهو يَستَطِيعُ العِلَاجَ؛ هَذَا ما يَلِيقُ، ولكن يَعمَلُ الأَشيَاءَ، مَثَلًا يَجعَلُ مَنْ يُوقِظُه وَقتَ العِبَادَةِ، بعدَ وُجُودِ السَّاعَاتِ الآن يَجعَلُ السَّاعَةَ على الوَقتِ الذي يُريدُ، يَفعَلُ الأَسبَابَ، إذا كَانَ صَادِقًا يَفعَلُ الأَسبَابَ، لا يَحتَجُّ بِالقَدرِ وهو مُعرِضٌ أو غَافِلٌ أو مُتَسَاهلٌ أو مُقَصِّرٌ في الأَسبَابِ، لا يَكُونُ هَذَا صَحِيحًا، بلْ لا بُدَّ مِنْ عِلَاجٍ.

فلو أنَّ إِنسَانًا تَركَ الأَسبَابَ ونَامَ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمسُ ما يَكُونُ عُذْرًا له في تَركِ صَلَاةِ الفَجرِ، أو نَامَ عند قُربِ الظُّهرِ ولم يَجعَلْ هُنَاكَ أَسبَابًا حَتَّى فَاتَتْهُ الظُّهرُ أو حَتَّى فَاتَتهُ العَصرُ ما يَكُونُ عُذرًا له، ولا يَكُونُ مِنَ العُذرِ؛ لأنهُ مُفَرِّطٌ.

أمَّا لو أَمرَ مَنْ يُوقِظُه مِنَ الثِّقَاتِ وقَال: إذا أُذِّنَ أَيقِظنَي. أو ركَّبَ السَّاعَةَ

<<  <   >  >>