وهَذَا التَّنزُّلُ ثَابِتٌ مِنْ أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ، ومُتَوَاتِرٌ عن الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام.
وفيه الدَّلَالَةُ على عُلُوِّ اللهِ كمَا تَقَدَّمَ مِنَ الآيَاتِ والأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ على النُّزُولِ، فَالتَّنَزّلُ والنُّزُولُ كُلُّهُ دَالٌّ على عُلُوِّ المنزِّلِ، وَأنَّه فَوقَ الجَمِيعِ سبحانه وتعالى، وَأنَّه يَنْزِلُ إلى السَّمَاءِ الدُّنيَا كُلَّ لَيلَةٍ نُزُولًا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ، لا يَعلَمُ كَيفِيَّتَهُ سِوَاهُ سبحانه وتعالى مع كَونِه عَالِيًا فَوقَ العَرشِ، وهو فَوقَ الجَمِيعِ ويَتَنَزَّلُ إلى السَّمَاءِ الدُّنيَا كُلَّ لَيلَةٍ نُزُولًا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ لا يُعلَمُ كَيفِيَّتَهُ سُبحَانَهُ.
وهو نُزُولٌ يَلِيقُ بِجَلَالِهِ ولا يَتنَافَى مع اخْتِلَافِ الليَّلِ والنَّهَارِ في سَائِرِ أَرجَاءِ الدُّنيَا، فإنَّ اللَّيلَ والنَّهَارَ في الدُّنيَا مُختَلِفٌ، فَآخِرُ اللَّيلِ عند قَومٍ هو لَيْسَ بِآخِرِ اللَّيلِ عند آخَرِينَ، بل وَسَطُ اللَّيلِ أو أَوَّلُ اللَّيلِ كمَا بينَ المَشرِقِ والمَغرِبِ، فهو نُزُولٌ يَلِيقُ بِاللهِ في كُلِّ بَلَدٍ وفي كُلِّ إِقلِيمٍ، وفي كُلِّ جِهَةٍ بِحَسَبِهَا، لا يَعلَمُ كَيفِيَّةَ ذَلكَ إلا هو سبحانه وتعالى.
وقد كَتَبَ في هَذَا أَبُو العَبَّاسِ -شَيخُ الإِسلَامِ ابنُ تَيمِيَّةَ- كِتَابًا جَيِّدًا شَرحَ فيه حَدِيثَ النُّزُولِ، وبَيَّنَ فيه هَذِه المَعَانِي، وأنَّ النُّزُولَ صِفَةٌ خَاصَّةٌ مِنْ صِفَاتِ اللهِ عز وجل لا يَلزَمُ منها تَكْييفٌ ولا تَمثِيلٌ كَسَائِرِ الصِّفَاتِ، فلا يَلزَمُ منها تَعَارضٌ بِسبَبِ اخْتِلَافِ اللَّيلِ والنَّهَارِ في البُلدَانِ، فَالتَّعَارضُ بِالنِّسبَةِ إِلَينَا ولِصِفَاتِنَا، أما بِالنِّسبَةِ إلى اللهِ فلا يَتَعَارضُ؛ لِأنَّه لا يَعلَمُ كَيفِيَّةَ صِفَاتِهِ إلا هو سبحانه وتعالى.
فعلى العَبدِ الإِيمَانُ والتَّسلِيمُ، على الأُمّةِ الإِيمَانُ والتَّصدِيقُ والإِقرَارُ بما