قَولُهُ:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}[الفرقان: ٦٨]: ذَكَرَ هَذِه الآيَةَ بعدَ الآيَتَينِ للتَّنبِيهِ على أنَّ اتِّخَاذَ الأَندَادِ هو الشِّركُ، {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢)} [البقرة: ٢٢]، {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا}[البقرة: ١٦٥]، هَذَا هو الشِّركُ، فمِنِ اتِّخَاذِ النِّدِّ هو اتِّخَاذُ مَعبُودٍ مع اللهِ، يُقَالُ: فُلَانٌ نِدُّ فُلَانٍ: أي نَدِيدُهُ ونَظِيرُهُ، فمَنْ عَبدَ المَخلُوقَ مع اللهِ بأنْ دَعَاهُ أو اعْتَقدَ فيه أَنَّه يَصلُحُ لِلعِبَادةِ فقد اتَّخَذَ نِدًّا للهِ، وهَذَا هو الشِّركُ الَّذي قَالَ اللهُ فيه:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}[الزمر: ٦٥].
وهَذَا الذي عن عِكرمَةَ هو مَعنَى ما جَاءَ عن ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وهو تَلَقَّاهُ عن ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما في قَولِهِ تَعَالَى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦)} [يوسف: ١٠٦]، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[لقمان: ٢٥] هَذَا إِيمَانُهُم تَوحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ، وشِركُهُم دَعوَتُهُم الأَندَادَ مع اللهِ واتِّخَاذُهُمُ الأَندَادَ، فهم يُؤْمِنُونَ مِنْ جَانِبٍ ويَكفُرُونَ مِنْ جَانِبٍ، وشِركُهُم الذي وَقَعُوا فيه أَبطَلَ إِيَمانَهُم، فإنَّ الإِيمَانَ ما يَلتَئِمُ ولا يَصِحُّ مع الشِّركِ، فَأَحَدُهمَّا يُضَادُّ الآخَرَ.
فَإيمَانُهُم الذي نَطَقُوا به وهو اعْتِقَادُهُم أنَّ اللهَ رَبَّهُم، وقَولُهُم: رَبُّنَا اللهُ، هَذَا صَحِيحٌ أَنَّه يُسمَّى إِيمَانًا، لكن إذا سَلِمَ مِنْ الضِّدِّ، إذا جَاءَ الضِّدُّ أَبطَلَهُ، فإذا أَشرَكَ العَبدُ بِاللهِ بَطَلَ إِيمَانُهُ وصَارَ إِيمَانُهُ لَاغيًا لا وُجُودَ له ولا يَنفَعُهُ، كمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٨٨)} [الأنعام: ٨٨]، وأَعظَمُ العَملِ الإِيمَانُ يَحبَطُ {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٥)} [المائدة: ٥].