يَقُولُونَ: اللهُ رَبُّنَا وخَالِقُنَا ورَازِقُنَا، وهم مع هَذَا يَعبُدُونَ الأَصنَامَ والأَوثَانَ، ويَدعُونَها مع اللهِ ويَسجُدُونَ لها، ويَستَغِيثُونَ بها ويُعَظِّمُونَ أَمرَهَا ويُقَاتِلُونَ دُونَها؛ فَصَارَ هَذَا الشِّركُ الذي وَقَعُوا فيه وعَظَّمُوه وقَاتَلُوا مِنْ أَجلِهِ مُحبِطًا ومُبْطِلًا لِمَا ادَّعُوهُ مِنْ الإِيمَانِ.
في هَذَا دَلَالَةٌ على اجْتِمَاعِ الشِّركِ الأَصغَرِ مع التَّوحِيدِ والإِيمَانِ؟
لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لأنَّ هَذَا في الكُفَّارِ الْمُشرِكِينَ، أمَّا الإِيمَانُ الذي مع أَهْلِ الشِّركِ الأَصغَرِ فهو إِيمَانٌ صَحِيحٌ لَيْسَ من جِنسِ هَذَا، إِيمَانٌ صَحِيحٌ لَكنَّهُ ضَعِيفٌ، أَضَعَفَهُ الشِّركُ الأَصغَرُ والمَعَاصِي، فَإِيمَانُ العُصَاةِ وإِيمَانُ مَنْ تَعَاطَى الشِّركَ الأَصغَرَ كَالرِّياءِ، لَيْسَ مِثلَ إِيمَانِ الكُفَّارِ الَّذِينَ أَحبَطُوهُ بِشرِكِهِم الأَكبَرِ، فَذَاكَ إِيمَانٌ قَارَنَهُ ما أَبطَلَهُ، وهَذَا إِيمَانٌ لم يَبطُلْ، ولكِنَّهُ قَارَنَهُ ما يُضعِفُهُ.
حُذَيفَةُ رضي الله عنه لَمَّا رَأَى الخَيطَ قَطَعَهُ وتَلا هَذِه الآيَةَ {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦)} [يوسف: ١٠٦]؟
هَذَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ من حَيثُ المَعنَى؛ لأنَّ أَعظَمَ ذَلكَ ما عليه المُشرِكُونَ الأَوَّلُونَ قد يَدخُلُ في المَعنَى مِنْ حَيثُ جِنسُ الشِّركِ؛ لأنَّ الآيَاتِ التي نَزَلَت في الأَكبَرِ يُحتَجُّ بها على الأَصغَرِ، يَعُمُّ اسمَ الشِّركِ، ولِتَحرِيمِ النَّوعَينِ جميعًا مِثلمَا فَسَّرَهُ ابنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢)} [البقرة: ٢٢] بِأنوَاعٍ منَ الشِّركِ الأَصغَرِ لِلعُمُومِ، لكن هَذِه الآيَةُ {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦)} [يوسف: ١٠٦]، أَظهَرُ في إِبطَالِ إِيمَانِهِم؛ للدَّلَالَةِ على أنَّ إِيمَانَهُم هَذَا لا يَنفَعُهُم، نَسأَلُ اللهَ العَافِيَةَ.
* * *
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute