يُبَيِّنُ الْمُؤلِّفُ رحمه الله في البَابِ وما قَبلَهُ وما بَعدَه أنَّ أَفعَالَ الْمَخلُوقِينَ وَصفٌ لهم، وأنَّ فِعلَ اللهِ وصفٌ له سبحانه وتعالى: تَحرِيكُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لِسَانَهُ وقِرَاءَةُ النَّبيِّ وغَيرُ ذَلكَ هَذِه مِنْ أَفعَالِهِ، والْمَقرُوءُ هو كَلَامُ اللهِ عز وجل، واللهُ سُبحَانَهُ هو الخَلَّاقُ، هو الرَّزَّاقُ، وهو الْمُحِيي، وهو الْمُمِيتُ، وهو الفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ سبحانه وتعالى، وكَلَامُهُ صِفةٌ من صِفَاتِهِ، كما أَنَّه الخَلَّاقُ والرَّزَّاقُ والْمُحِيي والْمُمِيتُ وكُلُّ ذَلكَ صِفةٌ مِنْ صِفَاتِهِ، فهَكَذَا كَلَامُهُ بِالقُرآنِ وكَلَامهُ بِغيرِ القُرآنِ كُل ذَلكَ صِفةٌ من صِفَاتِهِ، تَلِيقُ بِاللهِ لا يُشَابِهُهُ فيها خَلقُهُ جل وعلا، كما قَالَ سُبحَانَهُ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)} [الشورى: ١١]، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤)} [الإخلاص: ١ - ٤].
أمَّا الْمَخلُوقُ فله أَفعَالٌ وله كَلَامٌ لَائقٌ به، يَعتَرِيهِ النَّقصُ والفَنَاءُ والْمَرضُ وغَيرُ ذَلكَ.
فَصِفَاتُ الْمَخلوُقِينَ تَلِيقُ بهم وتُنَاسبُهُم، ولها آفَاتُهَا وعَوَارضُهَا، وصِفَاتُ اللهِ تَلِيقُ به ولها الكَمَالُ ولها البَقَاءُ والدَّوَامُ، فهو سُبحَانَهُ الكَامِلُ في ذَاتِهِ وأَسمَائِهِ وصِفَاتِهِ وأَفعَالِهِ، لا شَبِيهَ له ولا شَرِيكَ له.
وكان صلى الله عليه وسلم يُصِيبُهُ شِدَّةٌ عند سَمَاعِ الوَحِي؛ حِرْصًا منه على حِفظِ الوَحِيِ، وأن يَحفَظَهُ كما جَاءَ به جَبرَائِيلُ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلَامُ، وكان يُحَرِّكُ لِسَانَهُ عند سَمَاعِ ما يَقرَؤُهُ جَبِرَائِيلُ لِيحفَظَ ولِيضْبِطَ الأَلفَاظَ؛ فَنَهَاهُ اللهُ عن ذَلكَ