للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦)} [القيامة: ١٦] وفي الآيَةِ الأُخرَى: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (١١٤)} [طه: ١١٤].

وهَذَا مِنْ لُطفِ اللهِ به وَرحمَتِه إِيَّاهُ ألَّا يَتعَبَ بل يُنصِتُ ويَستَمِعُ، فإذا انْتهَى جَبرَائِيلُ مِنْ الوَحِيِ حِفظَهُ عليه الصلاة والسلام. ما هو بِحَاجةٍ إلى تَكَلُّفٍ، بلِ اللهُ يَجمَعُهُ في قَلبِهِ ويُقرِئهُ إِيَّاهُ ويُحفِّظُهُ إِيَّاه سبحانه وتعالى.

ولِهذَا قَالَ: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧)} [القيامة: ١٧] يَعْنِي: جَمْعَهُ في صَدرِكَ وقِراءَتَهُ، يَعْنِي: يَجِبُ أن تَقرأَهُ كَمَا أَنْزِلَ، فكَان يَستَمِعُ لَجبرَائِيلَ عليه السلام ويُنصِتُ، فإذا انْتَهَى جَبرَائِيلُ عليه السلام قَرأَهُ كمَا أُنزِلَ، ولم يُخرِمْ منه شَيْئًا (١).

وهَذَا من حِفظِ اللهِ لِهذَا الكِتَابِ العَظِيمِ، وأنَّ هَذَا النَّبيَّ الأُمِيَّ صلى الله عليه وسلم الذي لا يَكْتبُ ولا يَقرَأُ الخَطَّ أَنزلَ اللهُ عليه هَذَا الكِتَابَ العَظِيمَ الْمُعجِزَ، الذي قَرأَهُ وحَفِظَهُ وبَلَّغَهُ لِلأُمَّةِ، وأَنزَلَ عليه الوَحيَ الثَّانِيَ -السُّنَّةَ- على أَنوَاعِهَا وكَثرَتِهَا فَحفِظهَا وبَلَّغَها أُمَّتَهُ عليه الصلاة والسلام {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (٤٠)} [الرعد: ٤٠].

فقد بلَّغَ البَلَاغَ الْمُبِينَ، وأَدَّى الأَمَانَةَ، وجِمِيعُ أَصحَابِهِ يَشهَدُونَ له بذَلكَ، ثم مَنْ بَعدَهُم مِنْ أَئِمَّةِ الإِسلَامِ، وهو قَولُ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعةِ إلى يَومِنَا هَذَا، يَشهَدُونَ له بِالبَلَاغِ، ونحن نَشهَدُ له بِالبَلَاغِ، وكُلُّ مُسلمٌ عَقلَ ذَلكَ، كلٌّ يَشهَدُ له بذَلكَ وُيؤمِنُ بذَلكَ، أَنَّه بَلَّغَ البَلَاغَ الْمُبِينَ عليه الصلاة والسلام، وَأنَّه حَفظَ ما أُنْزِلَ إِلَيهِ وأَدَّى الأَمَانَةَ، ولم يَتَوَفَّ إلا وقد بَلَّغَ ما أُنزِل إليه، وأَكَمَلَ اللهُ به الدِّينَ، وأَتَمَّ به النِّعمَةَ عليه الصلاة والسلام.


(١) أي: لم يسقط.

<<  <   >  >>