١ - حَسَدٌ مَذمُومٌ: وهو تَمَنِّي زَوَالِ النَّعمَةِ عن أَخِيكَ، سَواءٌ صَارَت لك أو لم تَصِرْ لك، تَمَنِّي زَوَالِ النِّعمَةِ عنه هَذَا حَسَدٌ وظُلمٌ ومُنكَرٌ، وإذا فَعلتَ مع ذَلكَ أَسبَابَ الإِزَالةِ بِإِتلَافِ الْمَالِ أو بِفِعلِ ما يُنكِّدُه عليه ويُزِيلُهُ منه كَانَ هَذَا ظُلْمًا مع حِسِدٍ.
٢ - أَمَّا حَسَدُ الغِبطَةِ: فهو تَمَنِّي ومَحبَّةِ أن يَكُونَ لك مِثلُ ما له مِنْ الخَيرِ، مِنْ دُونِ أن تَتَمَنَّى زَوَالَهُ عنه، فأنت تُحِبُّ أن تَكُونَ مِثلَهُ، تَقرَأَ القُرْآنَ تُنفِقُ المَالَ تُحبُّ أنْ تَكُونَ مِثلَهُ، فهَذِه الغِبطَةُ في هَذَا الخَيرِ العَظِيمِ الذي تُحِبُّ أن تَكُونَ كِمِثلِ أَخِيكَ فيه.
فإذا قَرأَ القُرآنَ وتَلَاهُ آنَاءَ اللَّيلِ وآنَاءَ النَّهَارِ تِلَاوَةَ لِفظٍ وعَمَلٍ، يَعمَلُ به ويَقرَؤُهُ، فهو مَحسُودٌ على هَذَا مَغبُوطٌ، فالذي يَقُولُ: لَيتَنِي مِثلُهُ، أو أُحِبُّ أن يَكُونَ مِثلَهُ، أو أَوَدُّ أن أَكُونَ مِثلَهُ ويَغبِطُه بذَلكَ؛ هَذَا هو حَسَدُ الغِبطَةِ.
في اللَّفظِ الآخَرِ:«لا حَسَدَ إلا في اثْنَتَينِ؛ رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ على هَلَكَتِهِ في الحَقِّ، ورَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الحِكمَةَ -يَعْنِي الفِقهَ في الدِّينِ- فهو يَقضِي بها ويُعَلِّمُهَا»(١)، وهَذَا كُلُّهُ ممَّا يَنبَغِي فيه الغِبطَةُ، إِنفَاقُ المَالِ في وُجُوهِ الخَيرِ، والتَّفَقُّهُ في الدِّينِ، وتَدَبُّرُ القُرآنِ.
والقُرآنُ رَأسُ الحِكمَةِ، مَنْ تَدَبَّرَهُ وفَهِمَهُ وأَعطَاهُ اللهُ فيه الفِقهَ فهو رَأسُ الحِكمَةِ، فهو يَقضِي به بين النَّاسِ ويُعَلِّمهُ النَّاسَ، ومَعلُومٌ أنَّ السُّنَّةَ تَابِعَةٌ للقُرآنِ، وهي تُفَسِّرُهُ وتَدلُّ عليه لِمَنْ رَزَقَهُ اللهُ فيه الفِقهَ، وهو لا يَتمُّ له ذَلكَ إلا بالسُّنَّةِ.