للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَدُخُولُ العَبدِ عَلَى اللهِ مِنْ طَريقِ الاعْتِرافِ بِتقْصِيرِهِ وظُلمِهِ لِنفْسهِ وعَدمِ قِيامِهِ بِالوَاجِبِ وتَوسُّلهِ إِلَى اللهِ بأنَّهُ الرَّحِيمُ والغَفُورُ والوَاسِعُ المَغفِرةِ وَالجَوادُ الكَرِيمُ، هذَانِ بَابَانِ عَظِيمَانِ مِنْ أَسْبابِ الإِجابَةِ، بَابُ الذُّلِّ وَالانْكِسارِ مِنْ العَبدِ، وبَابُ التَّوسُّلِ بِأسْماءِ اللهِ وصِفاتِهِ وَرحْمتِهِ وَإِحْسانِهِ وَكَرمِهِ، فهَذَا مِنْ أَسْبَابِ الإِجَابَةِ.

ومِثلُ هَذَا قَولُهُ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي». لمَّا قَالَتْ عَائِشةُ رضي الله عنها: يَا رَسولَ اللهِ، إِذَا وَافقْتُ لَيلَةَ القَدْرِ، مَاذَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: «قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» (١).

ففِي ضِمنِ هَذَا الاعْتِرافِ بِأنَّ العَبدَ مَحلُّ تَقْصِيرٍ، وَمحَلُّ مُؤاخَذَةٍ، وأنَّ اللهَ مَحَلُّ العَفوِ، فنَاسَبتْ هذِهِ الوَسيلَةُ فِي طَلبِ العَفوِ.

وَهذَا دُعاءٌ عَظِيمٌ يُعلَّمُ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه - الصِّدِّيقُ الَّذِي هُوَ أَفْضلُ الأُمَّةِ وَخيرُ الأمَّةِ بَعدَ نَبيِّها وبَعدَ الأَنْبياءِ - يُقالُ لهُ: «قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا … ». يُقالُ لِلصِّدِّيقِ رضي الله عنه، يُعلَّمُ هَذَا الكَلامَ، فكَيفَ بِغيْرِ الصِّدِّيقِ؟!

إذَا كَانَ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه المشْهُودُ لَهُ بِالجنَّةِ، وهُوَ أَفْضَلُ الأُمَّةِ، ولوْ وُزِنتْ حَسنَاتُه بِالأمَّةِ لَرَجحَتْها بَعدَ نَبيِّها صلى الله عليه وسلم، فكَيفَ بِحَالِ غَيرِهِ، عُمرُ وَعُثمانُ وعَليٌّ وَالصَّحابَةُ رضي الله عنهم، ثمَّ التَّابِعُونَ ثمَّ مَنْ بَعدَهم إِلَى عَصرِنَا هذَا؟! يَعنِي: مَنْ هُوَ دُونَ الصِّدِّيقِ أَوْلى وَأوْلَى بِأنْ يَعتَرِفَ بِهذَا، وَأوْلَى وَأوْلَى بِأنْ يَقُولَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا».


(١) رواه الإمام أحمد في «المسند» (٢٥٣٨٤)، والترمذي (٣٥١٣)، وابن ماجه (٣٨٥٠).

<<  <   >  >>