للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَهذَا مِنْ بَابِ إِثْباتِ الحَقِيقَةِ، فَالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أَشَارَ إِلَى عَينِهِ، لَيسَ قَصدُهُ التَّمْثيلَ كَمَا تَقدَّمَ، وَإنَّمَا قَصدُهُ الإِشَارَةُ إِلَى أنَّهَا حَقِيقةٌ، عَينٌ حَقِيقَةً تَلِيقُ بِاللهِ {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (٣٩)} [طه: ٣٩]. أي تُغذَّى وتُوَجَّهُ وتُربَّى تَحتَ مَرْأًى مِنْ اللهِ ومَسمَعٍ، ذَكَرَ العَينَ هُنَا لِأنَّهُ سبحانه وتعالى يَراهُمْ، ويَعْلَمُ مَكانَهُم، ويُرشِدُهُم إِلَى مَا فِيهِ صَلَاحُ مُوسَى عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ.

وَكذَلِكَ {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: ١٤]: فِي السَّفينَةِ بِمرْأًى مِنْ اللهِ، لَا بِهَواهَا وَلَا بِهَواهُم، بَلِ اللهُ يُوجِّهُها جل وعلا فِي صَالحِ رُكَّابِها، نُوحٍ عليه السلام ومَنْ مَعهُ، كَمَا ذَكرَ وَصْفهُ فِي الآيَةِ الثَّانِيةِ {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: ٤٨]. يَعنِي: تَحتَ رِعَايَتِنا وَإِحْسَانِنا ومَرْأًى مِنَّا.

وَلَيسَ المُرَادُ إِنْكارَ هذِهِ الصِّفَاتِ، بَلِ المُرادُ إِثْباتُها، فَفِيهِ إِثْباتُ العَينِ، وَإِثباتُ البَصرِ، وإِثْباتُ الرِّعَايةِ لِهذِهِ الأَشْياءِ، وأنَّ مُقْتضَى ذلِكَ أنَّهُ يَرْعَى مُوسَى عليه السلام، ويَرعَى السَّفِينةَ، وَيَرعَى مُحمَّدًا عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، بِرِعايَتهِ سبحانه وتعالى، فلَا مُنافَاةَ بَينَ إِثْباتِ العَينِ وَإِثْباتِ الرِّعايَةِ.

وَليسَ هَذَا تَأْويلًا كَمَا يَظنُّ بَعضُ النَّاسِ أنَّ هَذَا مِنْ التَّأوِيلِ، لَيسَ هَذَا مِنَ التَّأوِيلِ، بلْ هَذَا صَرِيحُ الآيَاتِ، وَأنَّ اللهَ سُبْحانَهُ بَيَّنَ هذَا، وَأنَّ اللهَ جل وعلا رَعَى هذِهِ السَّفينَةَ، وَرعَى مُحمَّدًا صلى الله عليه وسلم، وَرعَى مُوسَى صلى الله عليه وسلم، حَيثُ صُنِعتِ [السَّفِينةُ] عَلَى عَينِهِ، وَجَرتْ عَلَى عَينِهِ، وأَمَرهُم بِالصَّبرِ لِحُكمِ ربِّهِ بِعيْنهِ سبحانه وتعالى.

<<  <   >  >>