للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَهكَذَا فُسِّرَ ذلِكَ فِي حَدِيثِ الدَّجَّالِ وَقَالَ: «إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ» (١). فبيَّنَ أنَّ لَهُ عَينًا حَقِيقةً، الدَّجَّالُ أَعْورُ، وَاللهُ لَيسَ بِأَعورَ، بلْ لَهُ عَيْنانِ سَلِيمَتانِ لَا عَوَرَ فِيهِما وَلَا نَقصَ فِيهِما، بِخِلافِ الدَّجَّالِ فلَهُ عَينٌ عَوْراءُ كَأنَّهَا عِنَبةٌ طَافِيةٌ، وَأَشارَ إِلَى عَينِهِ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، يَعنِي: أنَّهَا عَينٌ حَقِيقةً.

وَأكثَرُ أَصْحابِ الكَلَامِ وَأَرْبابِ الكَلَامِ ومَن بُلِيَ بِالتَّأْويلِ لَا يَطْمئِنُّونَ إِلَى هذِهِ الأَخْبَارِ، وَإِنَّما يُؤوِّلُونَها عَلَى غَيرِ تَأْوِيلِها، وَيَنْفونَ صِفَاتِ اللهِ عز وجل، نَسْألُ اللهَ العَافِيةَ.

وَهكَذَا يَكُونُونَ فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ كُلِّهَا بِالتَّأْويلِ، وهَذَا مِنْ فَسَادِ العُقُولِ، وفَسَادِ التَّصوُّرِ، وضَعْفِ الإِيمَانِ أوْ زَوالِهِ.

وَأيُّ مَحْذورٍ وأيُّ خَطرٍ فِي إِثْباتِها كَمَا أَرَادَ اللهُ عَلَى الوَجهِ اللَّائقِ بِاللهِ، مِنْ غَيرِ تَحْريفٍ، وَلَا تَعْطيلٍ وَلَا تَكْييفٍ وَلَا تَأْويلٍ؟! بِل هَذَا مِنْ كَمالِهِ، فهُوَ إِلهُ يُعبَدُ، لَهُ سَمعٌ وَلهُ بَصرٌ، وَلهُ رَحْمَةٌ، وَلهُ غَضَبٌ وَلهُ رِضًا، كُلُّ هذِهِ مِنْ صِفَاتِ الكَمَالِ الَّتِي يَستَحقُّ بِهَا أنْ يُعبَدَ ويُعظَّمَ.

وأيُّ تَعْظيمٍ وأَيُّ إِجْلالٍ فِي إِثْباتِ ذَاتٍ لَيسَ لَهَا صِفَاتٌ؟! هلْ يَقُولُ هَذَا عَاقِلٌ؟! ذَاتٌ لَيسَ لَهَا صِفَاتٌ لَيسَ لَهَا إلَّا العَدمُ، لَيسَ لَهَا صِفةٌ إلَّا العَدمُ؟!

يُؤخَذُ منَ الحَدِيثِ إِثْباتُ العَيْنينِ، وأنَّ للهِ عَيْنينِ؟

نَعمْ، مِثلُ مَا قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ: إنَّ للهِ عَينَيْنِ، كَمَا دلَّ عَليْهِ إِطْلاقُ الآيَاتِ، وَالعَربُ تُطلِقُ الجَمعَ عَلَى المُثنَّى إِذَا أُرِيدَ بِهِ العَظمَةُ، كَمَا قَالَ جل وعلا: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: ٤] وهُمَا عَائِشةُ وحَفْصَةُ رضي الله عنهما،


(١) رواه البخاري (٣٠٥٧)، ومسلم (١٦٩) (٢٧٤).

<<  <   >  >>