للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلقد صدع بتوحيده، وجمع على وعده ووعيده، وأوضح الحق وجلاه، ونصح الخلق وهداه، إلا من حقت عليه كلمة العذاب، وسبقت له الشقوة في أم الكتاب.

وأظهر العزيز -عزت أسماؤه، وجلت كبرياؤه- دينه على جميع الأديان، على رَغْم من الصلبان، ووَقْم١ من الأوثان؛ وأنجز لنا تعالى وعده، ونصرنا معه -صلى الله عليه وسلم- وبعده، وجمع في هذه الجزيرة شمل الإسلام بعد انصرامه وانبتاته٢، وقطع غِيل٣ الإشراك بعد انتصابه وثباته، وأنزل الذين كفروا من أهل الكتاب بأيدينا من صَيَاصيهم٤، نأخذ بأقدامهم ونواصيهم.

وكانت قلعة شنترين -أدام الله أمر أمير المسلمين- من أحصن المعاقل للمشركين، وأثبت المعاقل على المسلمين؛ فلم نزل بسعيك الذي اقتفيناه، وهديك الذي اكتفيناه، نَخْضد٥ شوكتها، وننحت أَثْلَتها٦، ونتناولها عَلَلًا بعد نَهَل٧، ونطاولها عجلًا في مهل؛ نخرُف٨ الحين بعد الحين سَرَاة رجالها، ونتطرف٩ المرة بعد المرة حماة أبطالها، ونخوض غمار كفاحهم، وبحار صِفاحهم١٠، إلى بسط أشباحهم، وقبض أرواحهم، ونُهدي للقَنا وصدورها رءوسهم، وإلى لظًى وسعيرها نفوسهم، وننقلهم من الشِّفار اليمانية، إلى النار الحامية، ونرفع بالجد والتشمير حجاب كيدهم الغامض، ونضعضع باستخارة القديم القدير هضاب أَيْدِهم الهائض١١. ولما رأينا هذه القلعة الشريفة المناسب في القلاع، المنيفة١٢ المناصب على البقاع، قد استشرى داؤها، وأعيا دواؤها، استخرنا الله تعالى على صَمْدها١٣، وضرَعنا إليه في تسهيل قصدها؛ وسألناه ألا يكلنا إلى نفوسنا، وإن كانت في صيانة


١- الوقم: الكُرْه والقَسْر.
٢- الانصرام والانبتات: الانقطاع.
٣- الغيل في "الأصل": موضع الأسد، أو الشجر الكثيف الملتف.
٤- الصياصي: الحصون، قال تعالى: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ} [الأحزاب: ٢٦] .
٥- خضد الشيء: كسره، أو قطعه.
٦- الأثلة: الأصل، ونحت أثلته: عابه وتنقَّصه.
٧- العلل: الشرب الثاني. النهل: الشرب الأول.
٨- نخرف: نقطف، نجني.
٩- طرَّف الشيء: أخذ من أطرافه.
١٠- الصفاح: جمع الصفيحة: وجه كل شيء عريض، كوجه السيف واللوح والحجر.
١١- الأيد: القوة. الهائض: من هاض العظم هيضًا: كسره.
١٢- المنيفة: العالية، المشرفة.
١٣- صمد الشيء، وله، وإليه: قصده.

<<  <   >  >>