للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يتوجه اللحاق لوجيهها ولا حقها؛ فعلمت أنها الإهابة والمهابة١، والإصابة والاسترابة٢، حتى أيأستني الخواطر، وأخلفتني المواطر؛ إلا زِبْرجًا٣ يُعقب جوادًا، وبَهْرَجًا٤ لا يحتمل انتقادًا؛ وأنَّى لمثلي والقريحة مرجاة، والبضاعة مزجاة٥ -ببراعة الخطاب، وبزاعة٦ الكتَّاب. ولولا دروس٧ معالم البيان، واستيلاء العفاء٨ على هذا الشأن، لما فاز لمثلي فيه قِدْح، ولا تحصل لي في سوقه ربح؛ لكنه جو خالٍ، ومضمار جهال؛ وهي حكمة الله في الخلق، وقسمته للرزق. وأنا -أعزك الله- أربأ بقدر الذخيرة، عن هذه النُّتَف الأخيرة، وأرى أنها قد بلغت مداها، واستوفت حلاها؛ وأنا أخشى القَدْح في اختيارك، والإخلال بمختارك. وعلى ذلك فوالله ما من عادتي أني أثبت ما أكتب في رسم يُنقل، ولا في وضع المراتب عندنا مخاطب يُتحفز له ويُحتفل؛ وإنما هو عفو فكر، ويسير ذكر.

وعذرًا -أعزك الله- فإني خططت ما خططته والنوم مغازل، والقُرُّ٩ منازل، والريح تلعب بالسراج، وتصول عليه صولة الحجَّاج١٠، فطورًا تسدده سِنانًا، وتارة تحركه لسانًا؛ وآونة تطويه حُبابة، وأخرى تنشره ذؤابة. وتُقيمه إبرة لهب، وتعطفه بُرَة ذهب١١، أو حُمَة١٢ عقرب. وتُقوِّسه حاجبَ فتاة، ذات غمزات، وتسلطه على سليطه، وتزيله عن خليطه؛ وتخلعه نجمًا، وتمده رجمًا، وتسل روحه من ذباله،


١- الإهابة: من أهاب به: دعاه إلى العمل، أو إلى تركه. والمهابة: من هابه هيبًا ومهابةً: أجله وعظمه، أو حذره وخافه.
٢- الاسترابة: من استراب به: رأى منه ما يريبه، والريب: الشك والظن والتهمة.
٣- الزبرج: الحلية والزينة من وشي أو جوهر أو نحو ذلك، أو الذهب، أو السحاب.
٤- البهرج: الباطل، أو المباح.
٥- المزجاة: القليلة، ومنه: زجا الشيء: راج، وزجاه وأزجاه: ساقه ودفعه, أو روَّجه. وفي التنزيل العزيز: {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} [يوسف: ٨٨] ، أي: مدفوعة, يدفعها كل من رآها لرداءتها، وكانت دراهم زيوفًا، أو غيرها.
٦- بزع الكاتب وغيره: صار جريئًا على الكلام، أو صار ظريفًا كَيِّسًا.
٧- درس الشيء: زال وامَّحى أثره.
٨- العفاء: الزوال.
٩- القر: البرد.
١٠- الحجاج: هو الحجاج بن يوسف الثقفي، أحد كبار القادة الأمراء الشجعان في عهد بني أمية. عُرف بشدته وقسوته وكثرة سفكه للدماء. توفي سنة ٩٥هـ/٧١٤م. "الأعلام، الزركلي: ١٦٨/٢".
١١- البرة: حلقة من ذهب أو غيره، تضعها المرأة في أنفها للزينة.
١٢- الحمة: سُمُّ كل شيء يلدغ أو يلسع، أو الإبرة التي تضرب بها العقرب والزنبور ونحو ذلك.

<<  <   >  >>