وأقام ابن تومرت بملالة أشهرًا، ثم رحل عنها، وصحبه من أهلها رجل اسمه عبد الواحد، يعرفه المصامدة بعبد الواحد الشرقي، وهو أول من صحبه بعد عبد المؤمن؛ وخرج متوجهًا إلى المغرب.
وقيل: إنه إنما لقي عبد المؤمن بموضع يعرف بـ فَنزارَة من بلاد مَتِّيجة، وعبد المؤمن يعلم صبيان القرية المذكورة؛ فسأله ابن تومرت صحبته والقراءة عليه وإعانته، بعد أن عرفه بالعلامات كما قد تقدم.
وبهذه القرية له حكاية طريفة؛ وذلك أنه رأى وهو بها في المنام كأنه يأكل مع أمير المسلمين علي بن يوسف في صَحْفَة١ واحدة؛ قال: ثم زاد أكلي على أكله وأحسست من نفسي شَرَهًا إلى الطعام. ولم يزل ذلك بي إلى أن اختطفت الصحفة من بين يديه وانفردت بها! فلما انتبه قص الرؤيا على رجل كان يقرأ عليه، اسمه عبد المنعم بن عَشير، يكنى أبا محمد، كان يقرأ عليه؛ فلما أتى على آخرها، قال: يا بني، يا عبد المؤمن، هذه الرؤيا لا ينبغي أن تكون لك؛ إنما هي لرجل ثائر، يثور على أمير المسلمين فيشاركه في بعض بلاده ثم يغلبه بعد ذلك عليها كلها وينفرد بمملكتها!.
واتفق له فيها أيضًا من العجائب التي تثبُتُ في باب الكلِم الموافقة للقدر، أن رجلاً من وجوه أصحاب الملك العزيز بن المنصور الصنهاجي صاحب بجاية والقلعة، وجد عليه الملك العزيز، فاشتد خوفه، فهرب منه إلى هذه الضيعة التي كان فيها عبد المؤمن، فكان معه بها يعلم الصبيان. وانتهت حال ذلك الرجل إلى غاية الإقلال. ثم اتفق أن صاحبه رضي عنه، فبلغه ذلك، فسار إلى بجاية فدخل عليه، فسأله: أين كنت في هذه الأيام؟ فأخبره بقصته، وكيف كان الصبيان يحيونه بالكِسَر! فضحك وقال: الضيعة لك وما والاها! وأمر له بمال ومركب وثياب، فخرج الرجل إلى الضيعة في خيل ورجال معه، وخرج إليه أهلها يتلقونه؛ فأتى الصبيان عبد المؤمن وهو قاعد بفناء المسجد، فقالوا له: أتعرف من هذا الذي اهتزت له هذه الأرض؟ قال: لا! قالوا: هو فلان صاحبك الذي كان يعلمنا معك! فقال: إن كانت حالة فلان انتهت إلى هذا، فلا بد أن أكون أنا غدًا أمير المؤمنين! فكان الأمر كما قال، ووافقت كلمته القدر.
وخرج ابن تومرت -كما ذكرنا- متوجهًا إلى المغرب، حتى أتى مدينة تلمسان، فأقام بمسجد بظاهرها يعرف بـ العُبَّاد جاريًا على عادته، وكان قد وضع له في
١- الصَّحْفَة: إناء من آنية الطعام، الجمع: صِحَاف.