من سوء صِباه؛ فلقي منهم شدة -على ما سيأتي بيانه- وكانت هذه البيعة العامة -كما ذكرنا- في سنة ٥٨٠.
ولما استوسق أمره -على ما تقدم- عبر البحر بعساكره وسار حتى نزل مدينة سلا، وبها تمت بيعته واستجاب له من كان تلكأ عليه من أعمامه من ولد عبد المؤمن، بعد ما ملأ أيديهم أموالاً وأقطعهم الأقطاع الواسعة.
بنيان مدينة الرباط
ثم شرع في بنيان المدينة العظمى التي على ساحل البحر والنهر من العدوة التي تلي مراكش. وكان أبو يعقوب -رحمه الله- هو الذي اختطَّها ورسم حدودها وابتدأ في بنيانها، فعاقه الموت المحتوم عن إتمامها؛ فشرع أبو يوسف -كما ذكرنا- في بنيانها إلى أن أتم سورها، وبنى فيها مسجدًا عظيمًا كبير المساحة واسع الفناء جدًّا، لا أعلم في مساجد المغرب أكبر منه. وعمل له مئذنة في نهاية العلو، على هيئة منار الإسكندرية، يصعد فيه بغير درج، تصعد الدواب بالطين والآجُرِّ والجِصِّ وجميع ما يحتاج إليه إلى أعلاها. ولم يتم هذا المسجد إلى اليوم؛ لأن العمل ارتفع عنه بموت أبي يوسف؛ ولم يعمل فيه محمد ولا يوسف شيئًا. وأما المدينة فتمت في حياة أبي يوسف وكملت أسوارها وأبوابها وعُمِّر كثير منها. وهي مدينة كبيرة جدًّا، تجيء في طولها نحوًا من فرسخ، وهي قليلة العرض.
ثم خرج بعد أن رتب أشغال هذه المدينة وجعل عليها من أمناء المصامدة من ينظر في أمر نفقاتها وما يصلحها؛ فلم يزل العمل فيها وفي مسجدها المذكور طول مدة ولايته إلى سنة ٥٩٤، وسار هو حتى نزل مراكش.
طمع بني غانية في التغلب على إفريقية
وفي هذه السنة -أعني سنة ٨٠- خرج المَيُورقيون بنو ابن غانية من جزيرة مَيُورقة قاصدين مدينة بجاية، فملكوها وأخرجوا من بها من الموحدين؛ وذلك لستٍّ خلون من شعبان من السنة المذكورة؛ وهذا أول اختلال وقع في دولة المصامدة، لم يزل أثره باقيًا إلى وقتنا هذا، وهو سنة ٦٢١.
التعريف ببني غانية ودار ملكهم
وتلخيص خبر هؤلاء القوم -أعني بني غانية- أن أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين، وجه إلى الأندلس برجلين -اسم أحدهما يحيى، والآخر محمد- ابني علي، من قبيلة مسوفة، يعرفان بـ ابني غانية، وهي أمهما. فأما يحيى منهما،