للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثقيلٌ ولكن عقله مثل ريشة ... تطير بها الأرواح في مَهْمَهٍ دَوِّي١

تميل بشِدْقيه إلى الأرض لحية ... تظن بها ماء يُفرَّغ من دَلْوِ٢

وقد حدثوا عنه بكل نقيصة ... ولكن مثلي لا يُروِّي ولا يَرْوِي

وله في هذا المعنى أحسن من هذا كثيرًا إلا أنه أقذع فيه؛ فلذلك لم أودعه هذه الأوراق؛ لأني لا أستجيز أن ينقل مثل هذا عني.

ونال ابن حزمون هذا عند قضاة المغرب وعماله وولاته جاهًا وثروة؛ كل ذلك خوفًا من لسانه وحذرًا من هجائه. ولا أعلم في جميع بلاد المغرب بلدًا إلا وأهاجي هذا الرجل تُحفظ فيه وتدرس؛ أسأل الله له المسامحة ولجميع إخواننا من المسلمين.

محمد بن عبد رَبِّه الكاتب حفيد صاحب العِقْد٣

وأمر أمير المؤمنين بعرض الجند في هذا اليوم٤ في السلاح التام؛ فلما انتشروا بين يديه وأعجبه ما رأى من حسن هيئاتهم، قام فصلى ركعتين شكرًا لله عز وجل، واتفق إثر فراغه من ذلك الركوع أن جاءت سحابة فأمطرت مطرًا جَوْدًا٥ حتى ابتل الناس؛ فقال في ذلك صديق لي من الكتاب اسمه محمد بن عبد ربه، أصله من الجزيرة الخضراء، كان يكتب لأبي الربيع سليمان بن عبد الله بن عبد المؤمن٦، وكان مختصًّا به: من البسيط

بادي الكرامة, بل بادي الكرامات ... قد شفع الله آياتٍ بآياتِ٧

يا ليت شعري ما شيء دعوتَ به ... قبل السلام ومن بعد التحياتِ

شيء تأثر عنه الجو فاتصلتْ ... مِنَ السحائب راياتٌ براياتِ


١- الأرواح: الرياح. المهمه: المفازة البعيدة. دوي: نسبة إلى الدوية: الفلاة الواسعة.
٢- الشدق: جانب الفم مما تحت الخد. أفرغ الدلو ونحوه: أخلاه مما فيه.
٣- صاحب العقد: هو أحمد بن محمد بن عبد ربه بن حبيب بن حدير بن سالم: إمام، أديب، من أهل قرطبة. توفي سنة ٣٢٨هـ/٩٤٠م. من آثاره: كتاب "العقد الفريد". "تاريخ علماء الأندلس، ابن الفرضي: ٣٨؛ بغية الملتمس، الضبي: ١٤٨".
٤- أي: يوم عودته من وقعة الأرك سنة ٤٩١هـ.
٥- مطر جود: غزير, لا مطر فوقه.
٦- من أمراء بني عبد المؤمن، كان يلي مدينة سجلماسة وأعمالها، وكان يتقن العربية والبربرية. توفي سنة ٦٠٤هـ/ ١٢٠٧م. "الأعلام، الزركلي: ١٢٨/٣".
٧- الكرامة: الأمر الخارق للعادة، غير المقرون بالتحدي ودعوى النبوة، يظهره الله سبحانه وتعالى على أيدي أوليائه.

<<  <   >  >>