للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سلف من عادتنا في سائر الكتاب؛ فنقول وبالله التوفيق ومنه الإعانة:

قد تقرر واشتهر أن أول حد البلاد المصرية مما يلي الشام، العريش؛ وآخره مما يلي المغرب، مدينة أنطابلس المعروفة بـ برقة؛ هذا عرض الديار المصرية. وحدها في الطول من ثغر أسوان إلى مدينة رشيد الكائنة على ساحل البحر الرومي؛ هكذا ذكر أصحاب المسالك والممالك والمعتنون بهذا الشأن.

أولًا: المدن العامرة على الساحل

وأول حد بلاد إفريقية والمغرب مدينة أنطابلس المذكورة، المدعوة بـ برقة. بناها الروم فكانت حاضرة لتلك البلاد ومجتمعًا لأهلها. افتتحها المسلمون في أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-؛ ومنها كان ابتداء فتح المغرب؛ ومن هذه المدينة -أعني أنطابلس- إلى مدينة طرابلس المغرب، قريب من خمس وعشرين مرحلة.

اتصال العمران بين الإسكندرية والقيروان

وما بين الإسكندرية وطرابلس المغرب، خمس وأربعون مرحلة؛ وكانت العمارة متصلة من مدينة الإسكندرية إلى مدينة القيروان، تمشي فيها القوافل ليلاً ونهاراً. وكان فيما بين الإسكندرية وطرابلس المغرب حصون متقاربة جدًّا، فإذا ظهر في البحر عدو نور كل حصن للحصن الذي يليه، واتصل التنوير؛ فينتهي خبر العدو من طرابلس إلى الإسكندرية، أو من الإسكندرية إلى طرابلس، في ثلاث ساعات أو أربع ساعات من الليل؛ فيأخذ الناس أهبتهم ويحذرون عدوهم؛ لم يزل هذا معروفًا من أمر هذه البلاد إلى أن خربت الأعراب تلك الحصون ونفت عنها أهلها أيام خلى بنو عبيد بينهم وبين الطريق إلى المغرب -وذلك في حدود سنة ٤٤٠- حين تغير ما بينهم وبين المعز بن باديس الصنهاجي، وقطع الدعاء لهم على المنابر، ودعا لبني العباس؛ فاستولى الخراب عليها إلى وقتنا هذا. واستوطنتها الأعراب من سليم بن منصور بن عكرمة بن خَصْفة بن قيس عيلان بن مضر بن نِزَار بن معد بن عدنان وغيرهم، فهم اليوم بها، وآثار المدن والحصون باقية إلى اليوم.

ومدينة أنطابلس هذه خراب، لم يبق منها إلا آثارها؛ وفيما بين برقة وطرابلس حصن يسمى طُلْمَيْثة، بالقرب منه معدن كبريت. فأما مدينة طرابلس فلم تزل معمورة إلى هذا الوقت، وهي أول مملكة المصامدة، وقد استولى عليها في مدة

<<  <   >  >>