وبين مدينة سلا هذه ومدينة مراكش كرسي المملكة، تسع مراحل؛ فمراكش آخر المدن بالمغرب؛ وكان الذي اختطها ملك لمتونة تاشفين بن علي؛ ثم زاد فيها بعده ابنه يوسف بن تاشفين؛ ثم زاد فيها بعدهما علي بن يوسف بن تاشفين؛ ثم ملكها المصامدة فزادوا فيها حتى جاءت في نهاية الكبر؛ فهي اليوم طولًا وعرضًا قدر أربعة فراسخ -هذا إذا ضمت إليها قصور بني عبد المؤمن- وأجرى المصامدة فيها مياهًا كثيرة لم تكن فيها قبل ذلك، بنوا فيها قصورًا لم يكن مثلها لملك ممن تقدمهم من الملوك؛ فصارت بذلك في نهاية الحسن وغاية الكمال، كما قال الأول: من المديد
ليس فيها ما يقال له ... كملت لو أنه كَمُلَا
ترجمة المؤلف بقلمه
وبهذه المدينة -أعني مراكش-مسقط رأسي، وهي أول أرض مس جلدي ترابها؛ وكان مولدي بها لسبع خلون من ربيع الآخر سنة ٥٨١، في أول أيام أبي يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي.
ثم فصلت عنها وأنا ابن تسعة أعوام إلى مدينة فاس؛ فلم أزل بها إلى أن قرأت القرآن وجودته ورويته عن جماعة كانوا هنالك مُبرِّزين١ في علم القرآن والنحو.
ثم عدت إلى مراكش؛ فلم أزل مترددًا بين هاتين المدينتين.
ثم عبرت إلى جزيرة الأندلس في أول سنة ٦٠٣، فأدركت بها جماعة من الفضلاء من أهل كل شأن؛ فلم أحصل بحمد الله من ذلك كله إلا معرفة أسمائهم ومواليدهم ووفياتهم وعلومهم؛ انفردوا دوني بكل فضيلة؛ ولا مانع لما أعطى الله، ولا معطي لما منع؛ يختص برحمته من يشاء وهو ذو الفضل العظيم!.
بلاد السوس الأقصى
فمراكش هذه آخر المدن الكبار بالمغرب المشهورة به؛ وليس وراءها مدينة لها ذكر وفيها حضارة، إلا بليدات صغار بسوس الأقصى؛ فمنها مدينة صغيرة تسمى تَارُودَانْت، وهى حاضرة سوس، وإليها يجتمع أهله. ومدينة أيضًا صغيرة تدعى زُجُنْدَر، هي على معدن الفضة، يسكنها الذين يستخرجون ما في ذلك المعدن. وفي بلاد جَزُولة مدينة هي حاضرتهم أيضًا تسمى الكُسْت. وفي بلاد لَمْطة مدينة أخرى
١- مبرزون: من بَرَّز الرجل: فاق أصحابه فضلًا، أو علمًا، أو غير ذلك.