للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَقْصِرْ فما دين الهوى كفر ولا ... أعتدُّ لومك لي من التنزيلِ١

عجبًا لقوم لم تكن أذهانهمْ ... لهوًى ولا أجسادهم لنُحُولِ

دقت معاني الحب عن أفهامهمْ ... فتأولوه أقبح التأويلِ٢

في أي جارحةٍ أصون معذبي ... سلِمتْ من التعذيب والتنكيلِ٣

إن قلت في عينى فثَمَّ مدامعي ... أو قلت في قلبي فثم غليلِي٤

لكن جعلت له المسامعَ موضعًا ... وحجبتُها عن عَذْلِ كل عذولِ

هذا ما بقي في حفظي منها. وكان أبو عمر هذا من مقدمي شعراء الحكم المستنصر، وكان مختصًّا بأبي الحسن المُصْحَفي٥، منضويًا إليه؛ وهو الذي حمله على هجو محمد بن أبي عامر٦، فلما أفضى الأمر إلى محمد قبض على المصحفي واستصفى أمواله ووضعه في المُطْبِق، فلم يزل به حتى مات جوعًا وهزالًا. وأما ما كان من أبي عمر الشاعر فإنه أوسعه عقوبة ونكالًا، وأمر بتغريبه٧، فشفع له عنده في أن يتركه ببلده، فأذن في ذلك، غير أنه خرج الأمر من جهته ألا يكلمه أحد من العامة ولا من الخاصة؛ أمر مناديه أن ينادَى بذلك في جميع جهات قرطبة. فأقام أبو عمر هذا كالميت إلى أن مات موتة الوفاة في آخر أيام أبي عامر.

وكان لحكم المستنصر مواصلًا لغزو الروم ومن خالفه من المحاربين، فاتصلت ولايته إلى أن مات في صفر سنة ٣٦٦، فكانت مدة ولايته منذ بُويع له إلى أن مات ست عشرة سنة وأشهرًا؛ وانقرض عقبه بعد موت ابنه هشام المؤيد، لم يعش له ولد غيره.


١- أقصر: فعل من أقصر عن الشيء: كفَّ ونزع عنه. أعتد: أظن. التنزيل: ما نُزِّل على الأنبياء والرسل من كلام الله سبحانه وتعالى.
٢- تأوَّل الكلام وأوَّله: فسره ورده إلى الغاية المرجوة منه.
٣- أصون: أحفظ. التنكيل: من نكَّل به: عاقبه بما يردعه ويروع غيره عن إتيان مثل صنيعه.
٤- الغليل: شدة العطش وحرارته، أو الغيظ.
٥- هو أبو الحسن جعفر بن عثمان المصحفي: حاجب الحكم المستنصر. غلبه المنصور بن أبي عامر على مكانته بعد وفاة الحكم، ثم نكبه، كما تقدم أعلاه.
٦- هو أبو عامر، محمد بن عبد الله بن عامر بن محمد أبي عامر بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك المعافري القحطاني، المعروف بالمنصور بن أبي عامر: أمير الأندلس في دولة المؤيد الأموي، وأحد الشجعان الدهاة. توفي سنة ٣٩٢هـ/ ١٠٠٢م. "بغية الملتمس: الضبي: ١٠٥".
٧- التغريب: النفي عن البلاد.

<<  <   >  >>