يحيى بن علي بن حمود، بمالقة، فهرب القاسم عن قرطبة بلا قتال وصار بإشبيلية، وزحف ابن أخيه المذكور من مالقة بالعساكر ودخل قرطبة بلا قتال، وتسمى بالخلافة، وتلقب بـ المعتلي؛ فبقي كذلك إلى أن اجتمع للقاسم أمره واستمال البربر وزحف بهم إلى قرطبة، فدخلها سنة ٤١٣، وهرب يحيى بن علي إلى مالقة، فبقي القاسم بقرطبة شهورًا واضطرب أمره.
وغلب ابن أخيه يحيى على المدينة المعروفة بالجزيرة الخضراء، وهي كانت معقل القاسم، وبها كانت امرأته وذخائره؛ وغلب ابن أخيه الثاني إدريس بن علي صاحب سبتة على طنجة، وهي كانت عُدَّة القاسم، يلجأ إليها إن رأى ما يخافه بالأندلس.
وقام عليه جماعة أهل قرطبة بالمدينة، وغلقوا أبوابها دونه، وحاصرهم نيفًا وخمسين يومًا، وأقام الجمعة في مسجد خارج قرطبة، يعرف بمسجد ابن أبي عثمان، أثره باقٍ إلى اليوم. ثم إن أهل قرطبة زحفوا إلى البربر، فانهزم البربر عن القاسم وخرجوا من الأرباض كلها في شعبان سنة ٤١٤، ولحقت كل طائفة من البربر ببلد غلبت عليه.
وقصد القاسم إشبيلية، وبها كان ابناه محمد والحسن، فلما عرف أهل إشبيلية خروجه عن قرطبة ومجيئه إليهم، طردوا ابنيه ومن كان معهما من البربر، وضبطوا البلد، وقدموا على أنفسهم ثلاثة من أكابر البلد، أحدهم القاضي أبو القاسم محمد بن إسماعيل بن عباد اللخمي، ومحمد بن يريم الألهاني، ومحمد بن الحسن الزبيدي. ومكثوا كذلك أيامًا مشتركين في سياسة البلد وتدبيره، ثم استبد القاضي أبو القاسم محمد بن إسماعيل بن عبَّاد بالأمر والتدبير، وصار الآخران من جملة الناس.
ولحق القاسم بشَرِيش، واجتمع البربر على تقديم ابن أخيه يحيى، فزحفوا إلى القاسم فحاصروه حتى صار في قبضة ابن أخيه، وانفرد ابن أخيه يحيى بولاية البربر.
وبقي القاسم أسيرًا عنده وعند أخيه إدريس بعده إلى أن مات إدريس، فقُتل القاسم خنقًا سنة ٤٣١، وحمل إلى ابنه محمد بن القاسم بالجزيرة، فدفنه هناك.
فكانت ولاية القاسم منذ تسمى بالخلافة بقرطبة إلى أن أسره ابن أخيه ستة, أعوام، ثم كان مقبوضًا عليه ست عشرة سنة عند ابني أخيه يحيى وإدريس، إلى أن قتل -كما ذكرنا- في أول سنة ٤٣١، ومات وله ثمانون سنة، وله من الولد محمد والحسن، أمهما أميرة بنت الحسن بن قَنُّون بن إبراهيم بن محمد بن القاسم بن إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.