للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبا محمد، هل عاد الخبر عِيانًا؟ قال: إي والله يا مولاي؛ ودعا له بطول البقاء؛ فلما هم بالانصراف قال له: يا عبد الجليل، الآن حدِّث بها لا عنها، يعني: ألف مثقال.

وله -رحمه الله١- شعر كثير بَرَّز في أكثره وأجاد ما أراد، وسيمر منه في أضعاف أخباره ما يشهد له بالتبريز، عند ذوي التمييز؛ فمما اختاره من شعره قوله: من الكامل

عَلِّل فؤادك قد أَبَلَّ عليلُ ... واغنم حياتك فالبقاء قليلُ٢

لو أن عمرك ألف عام كامل ... ما كان حقًّا أن يقال طويلُ

أكذا يقود بك الأسى نحو الردى ... والعود عود والشَّمول شَمولُ٣

لا يستبيكَ الهم نفسك عَنْوَةً ... والكأس سيف في يديك صقيلُ٤

بالعقل تزدحم الهموم على الحشا ... فالعقل عندي أن تزول عقولُ!

ومن شعره السيار، لا بل الطيار، قوله في مملوك له صغير كان يتصرف بين يديه، أهداه له صاحب طليطلة؛ اسم المملوك سيف: من البسيط

سموه سيفًا وفي عينيه سيفانِ ... هذا لقتلي مسلولٌ وَهَذانِ٥

أما كفت قَتلة بالسيف واحدة ... حتى أتيح من الأجفان ثنتانِ

أسرته وثناني غُنْجُ مُقْلَته ... أسيره، فكلانا آسر عانِي٦

يا سيف, أمسك بمعروف أسير هوًى ... لا يبتغي منك تسريحًا بإحسانِ! ٧

ومن شعره الرشيق المليح, الخفيف الروح، الذي حكى الماء سلاسة والصخر ملاسة، قوله في هذا المملوك وقد عذّر: من مخلع البسيط

تم له الحسن بالعِذَارِ ... واقترن الليل بالنهارِ٨


١- يعني: المعتمد بن عباد.
٢- علل فلانًا بطعام أو غيره: شغله به ولهاه، وعلل المريض: عالجه من علته. أبل العليل: برئ. غنِم الشيء غنْمًا: فاز به.
٣- الأسى: الحزن. الردى: الهلاك، الموت. الشمول: من أسماء الخمر.
٤- استباه: أسره، أو استماله وجذبه. عنوة: أي: قسرًا وقهرًا وغلبة. الصقيل: المجلوّ.
٥- سيف مسلول: مشهر، مخرج من غمده.
٦- العاني: الأسير، أو الذليل.
٧- سرَّح فلانًا: أطلقه، أو أرسله، أو أخلاه من عمله، وسرح المرأة: طلقها.
٨- العذار: جانب اللحية.

<<  <   >  >>