(الفكرة السنّية) مصطلحا في هذه المقالة الوجيزة ونستعمله في السطور الآتية لأنه أحسن الألقاب من ناحية دلالته على حقيقة ثابتة أننا معاشر أهل السنة ممتازون بين سائر الملل باعتبار منهاج التفكر كما نمتاز بينهم لخصائص أخر.
ماهية الفكرة السنّية:
ما ذكرنا من قبل من الآيات الحكيمة إنما تدل على أن الدين المتين يطالبنا باتباع منهاج مخصوص في تفكرنا ونظرنا وأنه تعالى شأنه قد أخبرنا بوجوده في تعليم دينه، أما ماهية هذا المنهاج أي ماهية (الفكرة السنّية) فلم يعلم بعد، ونريد أن نلقي الضوء عليها في السطور التالية:
إن الماهية الكلية للفكرة السنّية قد نورها القرآن المبين وأوضحتها سنّة نبيه الكريم عليه أفضل الصلوات والتسليم، ودل عليه عمل الصحابة أجمعين، أما القرآن الكريم فنتلوا عليك منه أولاً هذه الآية المقدسة:
{إن الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِم}(سورة يونس) . قد دلت الآية دلالة واضحة على أن المؤمن لابد له أن يتفكر في ضوء إيمانه ويهتدي به إلى نتائج صحيحة في فكره، ومعناه أن تكون مقدمات فكره ونظره مبنية على إيمانه ومعتقداته الحقة، ولا تكون غير مناسبة لها فضلا عن كونها منافية لجزء من أجزاء الإيمان وكذلك لا تجوز أن تكون غير متعلق به كلية، بل يجب أن تكون مربوطة به ولو برابطة بعيدة دقيقة، فيكون استدلاله واستنتاجه ولوفي أمر دنيوي مبنيا على العقائد الحقة التي هي أجزاء إيمانه ودينه.
هذه هي (الفكرة السنّية) التي تهدي إلى علم نافع قطعا في الآخرة أو فيها وفي الدنيا كليهما لمن يتبعها ويختارها في تفكره، كما أنه يحفظه من الضرر في الآخرة والزلل في الدنيا، وبهذا فسره البيضاوي - رحمه الله - حيث قال:"بسبب إيمانهم إلى سلوك السبيل المؤدي إلى الجنة ولإدراك الحقائق".
ولاشك أن لفظ (الهداية) عام في الآية لتنوير الطريقتين أي طريقة التفكر وطريقة العمل بل الأولوية للأولى لأنه لابد من تقدم الفكر على العمل، فدلالة الآية على أن المؤمن ينبغي له بل يجب عليه أن يهتدي به في أعماله وأخلاقه واضحة.
وثانيا: نتلو عليك الآيات الكريمة من سورة الفاتحة التي نتلوها مرارا في صلواتنا وقد علمنا الله فيها كلمات ندعوه بها ونسأله ما اشتملت عليه تلك الكلمات العظيمة، فقال الله عز اسمه تعليما لنا:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} .