أما إنهم لو علموا ذلك لكتبوا، ولأمروا بالكتابة إلى آخر ما قاله الشيخ، فهذا غير لازم لما قدمناه لك.
وأما إنهم اكتفوا بالقرآن، والسنة المتبعة المعروفة للجمهور إلخ. فهذا غير مسلم، ولا يقوله إلا من جهل طريقة الخلفاء الراشدين، وسائر الصحابة من ورائهم في العمل بأحكام الدين، وكيف كانوا يأخذونها، فقد تقدم لنا أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، كانا يطلبان الحكم أولا من القرآن، ثم إذا لم يجداه فيه طلباه في حديث رسول الله صلى الله عليه، وسلم فإن لم يوجد عندهما حديث في الحادثة سألا عنه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا لم يجدا عندهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعا رؤوس الناس، وعلماء الصحابة وخيارهم للمشاورة، فيما عرض من الحوادث، ثم يقضيان بما اجتمعوا عليه. كما
كان من عادتهما إنه إذا استبانت لأحدهما سنة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد أن قضى على خلافها، فإنه ينقض قضاءه، ويرجع إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقوم هذا حالهم في احترام السنة يقال فيهم إنهم لم يريدوا أن يتخذوها دينا عاما دائما. اللهم إن هذا إنكار للحقائق، وسير في طريق الخيال، وهوى متبع وإعجاب بالرأي:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ} ، وإذا كان هذا حال العمرين، اللذين كانا أعلم الصحابة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يقال: إن الصحابة كانوا يكتفون بالقرآن، والسنة المتبعة المعروفة.
ج- قال الشيخ: وإذا أضفت إلى ذلك كله، حكم عمر بن الخطاب على أعين الصحابة بما يخالف بعض تلك الأحاديث، ثم ما جرى عليه علماء الأمصار في القرن الأول، والثاني من اكتفاء الواحد منهم كأبي حنيفة