وضبطوا ما وثقوا به، وأرسلوه إلى عمالهم ليبلغوه، ويعملوا به، ولم يكتفوا بالقرآن والسنة المتبعة، المعروفة للجمهور بجريان العمل بها. وبهذا يسقط قول من قال: إن الصحابة كانوا يكتفون في نشر الحديث بالرواية. ا. هـ.
نقول: إن الصحابة رضي الله عنهم، فهموا عن نبيهم أنه يريد أن تكون السنة دينا عاما، دائما. وكيف لا يفهمون ذلك عنه صلى الله عليه وسلم، وهو يقول لهم في حجة الوداع قبل وفاته بقليل:"إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم، ولكن رضي أن يطاع فيما سوى ذلك، مما تحاقرون من أعمالكم واحذروا. إني قد تكت فيكم ما إن اعتصمتم به، فلن تضلوا أبدا كتاب الله وسنة نبيه"، رواه الحاكم وصححه وله أصل في الصحيح، وكيف لا يفهم الصحابة عن نبيهم ذلك، وهو القائل:
"من رغب عن سنتي، فليس مني"، رواه مسلم إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة المشهورة١.
نقول: كيف لا يفهمون ذلك عن نبيهم، والقرآن يأمرهم بطاعته يحذرهم مخالفة أمره. ويحتم عليهم قبول حكمه، والإذعان لقضائه كما جاء ذلك في كثير من آياته. قال تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ، الآية. وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} ، الآية. وقال تعالى:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} .
الحق أن الصحابة فهموا أن السنة دين عام دائم كالقرآن، وكان هذا أمرا بدهيا عندهم لا يحتاج إلى استدلال، بل هو ضرورة من ضرورات الدين، وبدهي عند عامة المسلمين في جميع الأزمان حتى اليوم.