للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقد طبع كتاب سيبويه -حتى الآن- في فرنسا والهند ومصر وترجم إلى الألمانية ترجمة كاملة. وقام المحقق الكبير الأستاذ عبد السلام هارون بتحقيقه ونشره نشرة علمية دقيقة ظهرت في خمسة أجزاء.

وفي نفس الفترة التي كان الخليل وسيبويه ينشران علمهما فيها بالبصرة وجد عالمان بالكوفة اشتغلا بالنحو، وإن لم يبلغا في الشهرة مبلغ الخليل وسيبويه. هذان العالمان هما أبو جعفر الرؤاسي، ومعاذ الهراء. أما أولهما فقد صنف كتابًا اسمه "الفيصل" يقال: إن الخليل قد اطلع عليه، واستفاد منه.

وأما الآخر فقد غلب عليه الاشتغال بالأبنية حتى قيل: إنه واضع علم الصرف. ويصدر الدكتور شوقي ضيف على هذين الرجلين حكما قلبيًّا فيقول: "وكان علم معاذ بالصرف مثل علم الرؤاسي في النحو كان علمًا محدودًا لا غناء فيه ولا شيء يميزه من علم البصرة"١.

وبعد ذلك سار نحاة البصرة والكوفة جنبًا إلى جنب وتنافسا في البحث والإنتاج، وتابع من كلا البلدين نحاة أعلام ليس من السهل تفضيل أيهما على الآخر. فمن نحاة البصرة نجد الأخفش سعيد بن مسعدة، وقطرب والمازني والمبرد. ومن نحاة الكوفة نجد الكسائي، والفراء، وثعلب وابن السكيت.

وهؤلاء جميعًا عاشوا وماتوا قبل نهاية القرن الثالث الهجري. وأهم ما يميز هذه الفترة ارتقاء البحث النحوي ونضجه بدرجة لم تسمح بجديد بعدها. كما يميزها ظهور الكتب الكاملة التي تعالج النحو بابًا بابًا. ونضرب لذلك المثل بكتاب "المقتضب" للعبود، وهو برغم اسمه كتاب ضخم طبع في أربعة مجلدات بتحقيق الأستاذ الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة.

ويميزها أيضا اتجاه البحث إلى التقصي، والاستقراء للمأثور عن العرب وإعمال الفكر، واستخراج القواعد. وقد أذكى من روح النشاط التنافس البلدي الذي نشأ بين


١ راجع: شوقي ضيف، المدارس النحوية ص ١٥٣، ١٥٤، والأفغاني: من تاريخ النحو، ص ٤١، ٤٢، ونشأة النحو، ص ٩٧.

<<  <   >  >>