للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

٤- أن التأويل والتقدير كثر عند البصريين بطريقة لافتة للنظر، وذلك تبعًا لرفضهم كثيرًا من الأمثلة العربية الصحيحة، ونتيجة لمحاولاتهم المتكررة إخضاع الأمثلة العربية الصحيحة لأقيستهم النظرية البحث.

ويمتدح الدكتور شوقي ضيف صنيع البصريين هذا بقوله: "على أنه ينبغي أن نعرف أن المدرسة البصرية حين نحَّت الشواذ عن قواعدها لم تحذفها ولم تسقطها، بل أثبتتها، أو على الأقل أثبتت جمهورها، نافذة في كثير منها إلى تأويلها، حتى تنحي عن قواعدها ما قد يتبادر إلى بعض الأذهان من أن خللًا يشوبها، وحتى لا يغمض الوجه الصحيح في النطق على أوساط المتعلمين، إذ قد يظنون الشاذ صحيحًا مستقيمًا، فينطقون به، ويتركون المطرد في لغة العرب الفصيحة. ومن هنا تتعرض الألسنة للبلبلة ... وقد ينجذب إليها بعض من لم يفقه الفرق بين القاعدة الدائرة على كثرة الأفواه، بل على كثيرها الأكثر، والقاعدة التي لم يرد منها إلا شاهد واحد، مما قد يؤول إلى اضطراب شديد في الألسنة"١.

وسنذكر رأينا في هذا الأصل فيما بعد.

٥- لما كان الكوفيون أهل شعر ورواية لم يلتفتوا كثيرًا إلى قوانين المنطق والأقيسة العقلية. أما البصريون؛ فقد عوضوا تخلفهم في مجال الشعر والرواية بأن أطلقوا لعقلهم العنان وبرعوا في استخدام المنطق ولجأوا أحيانًا إلى النظر المجرد، ويمثل هذا الاتجاه البصري خير تمثيل قول أبي على الفارسي: "لأن أخطئ في خمسين مسألة من باب الرواية خير عندي من أن أخطئ في مسألة واحدة من باب القياس"٢.

ولنا على هذه الفروق الملاحظات الآتية:

١- أن المذهب الكوفي -في نظرنا- أقرب إلى الحق والواقع حين أجاز القياس على المثال الواحد المسموع، ولم يعتبر القلة والكثرة.


١ المدارس النحوية ص ١٦٢.
٢ المرجع ص ٢٦٤.

<<  <   >  >>