للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وذلك لأن القبائل العربية تتساوى في صحة القول وسلامة اللغة، وليس أمام العقل مسوغ في تفضيل لهجة على لهجة. ومن القواعد المقررة في فقه اللغة أنه لا يحتج بلغة قبيلة على أختها، ولا يحكم النظير بالتخلف على نظيره. ومن يدرينا أن الظاهرة اللغوية التي روى لها الكوفيين شاهدًا واحدًا ليس لها شواهد أخرى؟ أليس من الممكن جدًّا أن يكون وراء هذا الشاهد الواحد عشرات الشواهد التي لم يهتم العلماء بتسجيلها، أو التي فقدت ولم تصلنا؟ يدل على هذا ما ينسب إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من قوله: "إن الشعر كان علم القوم ولم يكن لهم علم أصح منه، فجاء الإسلام فتشاغلت العرب عنه بالجهاد وغزو الفرس والروم، ولهيت عن الشعر وروايته. فلما كثر الإسلام وجاءت الفتوح واطمأنت العرب في الأمصار راجعوا رواية الشعر، فلم يئولوا إلى ديوان مدون ولا كتاب وألفوا ذلك وقد هلك من العرب من هلك بالموت والقتل، فحفظوا أقل ذلك وذهب عنهم كثيره". ويروى عن أبي عمرو بن العلاء قوله: "ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله. ولو جاءكم وافرًا لجاءكم علم وشعر كثير"١. ويقول القاضي الجرجاني في الوساطة: "أما الألفاظ التي زعموا أن الشعراء تفردوا بها فإنها موجودة عن أئمة اللغة وعمن ينتهى السند إليهم ... وإنما نتكلم بما تكلموا به. وواحدهم كالجمع، والنفر كالقبيلة، والقبيلة كالأمة. فإذا سمعنا عن العربي الفصيح الذي يعتد حجة كلمة اتبعناه فيها وإن لم تبلغنا من غيره"٢.

فإذا سمع الكوفيون أمثلة معدودة نسب العرب فيها إلى الجمع فقبلوا هذه النسبة، واتخذوها أساسًا، وقاسوا عليها لم يكونوا حائدين عن الجادة كما يحاول بعضهم أن يصورهم، بل يكونوا على حق.

خصوصًا وأن الكثرة العددية للكلمات المفردة المنسوب إليها لا تعارض.


١ اللغة والنحو لعباس حسن، ص ٣٦، ٣٧.
٢ المرجع السابق.

<<  <   >  >>